@ 102 @ سيما عقل امرأة خافت على ولدها حتى طرحته في اليم ، رجاء نجاته من الذبح ؛ هذا مع الوحي إليها أن الله يرده إليها ويجعله رسولاً ، ومع ذلك فطاش لبها وغلب عليها ما يغلب على البشر عند مفاجأة الخطب العظيم ، ثم استكانت بعد ذلك لموعود الله . وقرأ أحمد بن موسى ، عن أبي عمر وفؤاد : بالواو . وقال ابن عباس : فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى . وقال مالك : هو ذهاب العقل . وقالت فرقة : فارغاً من الصبر . وقال ابن زيد : فارغاً من وعد الله ووحيه إليها ، تناسته من الهم . وقال أبو عبيدة : فارغاً من الحزن ، إذ لم يغرق ، وهذا فيه بعد ، وتبعده القراآت الشواذ التي في اللفظة . وقرأ فضالة بن عبيد ، والحسن ، ويزيد بن قطيب ، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير : فزعاً ، بالزاي والعين المهملة ، من الفزع ، وهو الخوف والقلق ؛ وابن عباس : قرعاً ، بالقاف وكسر الراء وإسكانها ، من قرع رأسه ، إذا انحسر شعره ، كأنه خلا من كل شيء إلا من ذكر موسى . وقيل : قرعاً ، بالسكون ، مصدر ، أي يقرع قرعاً من القارعة ، وهي الهم العظيم . وقرأ بعض الصحابة : فزغاً ، بالفاء مكسورة وسكون الزاي والغين المنقوطة ، ومعناه : ذاهباً هدراً تالفاً من الهم والحزن . ومنه قول طليحة الأسدي في أخيه حبال : % ( فإن يك قتلي قد أصيْبت نفوسهم % .
فلن تذهبوا فزغاً بقتل حبال .
أي : بقتل حبال فزغاً ، أي هدراً لا يطلب له بثأر ولا يؤخذ . وقرأ الخليل بن أحمد : فرغاً ، بضم الفاء والراء . { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ } : هي إن المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة . وقيل : إن نافية ، واللام بمعنى إلاّ ، وهذا قول كوفي ، والإبداء : إظهار الشيء . والظاهر أن الضمير في به عائد على موسى عليه السلام ، فقيل : الباء زائدة ، أي : لتظهره . وقيل : مفعول تبدي محذوف ، أي لتبدي القول به ، أي بسببه وأنه ولدها . وقيل : الضمير في به للوحي ، أي لتبدي بالوحي . وقال ابن عباس : كادت تصيح عند إلقائه في البحر وا ابناه . وقيل : عند رؤيتها تلاطم الأمواج به { لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا } . قال قتادة : بالإيمان . وقال السدي : بالعصمة . وقال الصادق : باليقين . وقال ابن عطاء : بالوحي ، و { لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } . فعلنا ذلك ، أي المصدقين بوعد الله ، وأنه كائن لا محالة . والربط على القلب كناية عن قراره وإطمئنانه ، شبه بما يربط مخافة الانقلاب . .
.
) % .
وقال الزمخشري : ويجوز : وأصبح فؤادها فارغاً من الهم حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه . { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى } بأنه ولدها ، لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً بما سمعت ، لولا أنا طمأنا قلبها وسكّنّا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح والابتهاج . { لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } الواثقين بوعد الله ، لا بتبني فرعون وتعطفه . انتهى . وما ذهب إليه الزمخشري من تجويز كونه فارغاً من الهم إلى آخره ، خلاف ما فهمه المفسرون من الآية ، وجواب لولا محذوف تقديره : لكادت تبدي به ، ودل عليه قوله : { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ } ، وهذا تشبيه بقوله : { وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } . .
{ وَقَالَتْ لاخْتِهِ } ، طمعاً منها في التعرف بحاله . { قُصّيهِ } : أي اتبعي أثره وتتبعي خبره . فروي أنها خرجت في سكك المدينة مختفية ، فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يتطلبون له امرأة ترضعه ، حين لم يقبل المراضع ، واسم أخته مريم ، وقيل : كلثمة ، وقيل : كلثوم ، وفي الكلام حذف ، أي فقصت أثره . { فَبَصُرَتْ بِهِ } : أي أبصرته ؛ { عَن جُنُبٍ } ، أي عن بعد ؛ { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بتطلبها له ولا بإبصارها . وقيل : معنى { عَن جُنُبٍ } : عن شوق إليه ، حكاه أبو عمرو بن العلاء وقال : هي لغة جذام ، يقولون : جنبت إليك : اشتقت . وقال الكرماني : جنب صفة لموصوف محذوف ، أي عن مكان جنب ، يريد بعيد .