@ 424 @ سترتموه ، بأن يضرب القتيل ببعض هذه البقرة المذبوحة . وتقدّمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل ، لأنه لو عكس ، لما كانت قصة واحدة ، ولذهب الغرض في تثنية التقريع . انتهى كلامه ، وهو مبني على أن القتل وقع أولاً ، ثم أمروا بعد ذلك بذبح البقرة ، وليس له دليل على ذلك إلا نقل شيء من القصص التي لم تثبت في كتاب ولا سنّة . وقد بينا حمل الآيتين على أن الأمر بالذبح يكون متقدّماً وأن القتل تأخر ، كحالهما في التلاوة . .
وقال بعض الناس : التقديم والتأخير حسن ، لأن ذلك موجود في القرآن ، في الجمل ، وفي الكلمات ، وفي كلام العرب . وأورد من ذلك جملاً ، من ذلك : قصة نوح عليه السلام في إهلاك قومه ، وقوله : { وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا } ، وفي حكم من مات عنها زوجها بالتربص بالأربعة الأشهر وعشر ، وبمتاع إلى الحول ، إذ الناسخ مقدّم ، والمنسوخ متأخر . وذكر من تقديم الكلمات في القرآن والشعر على زعمه كثيراً ، والتقديم والتأخير ، ذكر أصحابنا أنه من الضرائر ، فينبغي أن ينزه القرآن عنه . ونسبة القتيل إلى جمع ، إما لأن القاتلين جمع ، وهم ورثة المقتول ، وقد نقل أنهم اجتمعوا على قتله ، أو لأن القاتلواحد ، ونسب ذلك إليهم لوجود ذلك فيهم ، على طريقة العرب في نسبة الأشياء إلى القبيلة ، إذا وجد من بعضها ما يذم به أو يمدح . .
{ فَادرَأْتُمْ فِيهَا } قرأ الجمهور : بالإدغام وقرأ أبو حيوة ؛ فتدارأتم ، على وزن تفاعلتم ، وهو الأصل ، هكذا نقل بعض من جمع في التفسير . وقال ابن عطية : قرأ أبو حيوة ، وأبو السوار الغنوي : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادرَأْتُمْ } ، وقرأت فرقة : فتدارأتم على الأصل . انتهى كلامه . ونقل من جمع في التفسير أن أبا السوار قرأ : فدرأتم ، بغير ألف قبل الراء . ويحتمل هذا التدارؤ ، وهو التدافع ، أن يكون حقيقة ، وهو أن يدفع بعضهم بعضاً بالأيدي ، لشدة الاختصام . ويحتمل المجاز ، بأن يكون بعضهم طرح قتله على بعض ، فدفع المطروح عليه ذلك إلى الطارح ، أو بأن دف بعضهم بعضاً بالتهمة والبراءة . والضمير في : فيها عائد على النفس ، وهو ظاهر ، وقيل : على القتلة ، فيعود على المصدر المفهوم من الفعل ، وقيل : على التهمة ، فيعود على ما دل عليه معنى الكلام . .
{ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } ، ما : منصوب باسم الفاعل ، وهو موصول معهود ، فلذلك أتى باسم الفاعل لأنه يدل على الثبوت ، ولم يأت بالفعل الذي هو دال على التجدد والتكرار ، ولا تكرار ، إذ لا تجدد فيه ، لأنها قصة واحدة معروفة ، فلذلك ، والله أعلم ، لم يأتِ بالفعل . وجاء اسم الفاعل معملاً ، ولم يضف ، وإن كان من حيث المعنى ماضياً ، لأنه حكى ما كان مستقبلاً وقت التدارؤ ، وذلك مثل ما حكى الحال في قوله تعالى : { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ } . ودخلت كان هنا ليدل على تقدم الكتمان ، والعائد على ما محذوف تقديره : ما كنتم تكتمونه . والظاهر أن المعنى ما كنتم تكتمون من أمر القتيل وقاتله ، وعلى هذا ذهب الجمهور . وقيل : يجوز أن يكون عاماً في القتيل وغيره ، فيكون القتيل من جملة أفراده ، وفي ذلك نظر ، إذ ليس كل ما كتموه عن الناس أظهره الله تعالى . .
{ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } : جملة معطوفة على قوله : { قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادرَأْتُمْ فِيهَا } . .
والجملة من قوله تعالى : { وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه ، مشعرة بأن التدارؤ لا يجدي شيئاً ، إذ الله تعالى مظهر ما كتم من أمر القتيل . والهاء في اضربوه عائد على النفس ، على تذكير النفس ، إذ فيها التأنيث ، وهو الأشهر ، والتذكير ، أو على أو الأول هو على حذف مضاف ، أي وإذ قتلتم ذا نفس ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فروعي بعود الضمير مؤنثاً في قوله : { فَادرَأْتُمْ } فيها ، وروعي المحذوف بعود الضمير عليه مذكراً في قوله : { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ } ، أو عائد على القتيل ، أي ، فقلنا : اضربوا القتيل ببعضها . الظاهر أنهم أمروا أن يضربوه بأي بعض كان ، فقيل : ضربوه بلسانها ، أو بفخذها اليمنى ، أو بذنبها ، أو بالغضروف ، أو بالعظم الذي يلي الغضروف ، وهو أصل الأذن ، أو بالبضغة التي بين الكتفين ، أو بالعجب ، وهو أصل الذنب ، أو بالقلب واللسان معاً ، أو بعظم من عظامها ، قاله أبو