@ 63 @ الله . وقيل : وقف مكاناً غير بعيد من سليمان ، وكأنه فيما روي ، حين نزل سليمان حلق الهدهد ، فرأى هدهداً ، فانحط عليه ووصف له ملك سليمان وما سخر له من كل شيء ، وذكر له صاحبه ملك بلقيس وعظم منه ، وذهب معه لينظر ، فما رجع إلا بعد العصر . وقيل : الضمير في فمكث لسليمان . وقيل : يحتمل أن يكون لسليمان وللهدهد ، وفي الكلام حذف ، فإن كان غير بعيد زماناً ، فالتقدير : فجاء سليمان ، فسأله : ما غيبك ؟ فقال : أحطت ؛ وإن كان مكاناً ، فالتقدير : فجاء فوقف مكاناً قريباً من سليمان ، فسأله : ما غيبك ؟ وكان فيما روي قد علم بما أقسم عليه سليمان ، فبادر إلى جوابه بما يسكن غيظه عليه ، وهو أن غيبته كانت لأمر عظيم عرض له ، فقال : { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } ، وفي هذا جسارة من لديه علم ، لم يكن عند غيره ، وتبجحه بذلك ، وإبهام حتى تتشوف النفس إلى معرفة ذلك المهم ما هو . ومعنى الإحاطة هنا : أنه علم علماً ليس عند نبي الله سليمان . .
قال الزمخشري : ألهم الله الهدهد ، فكافح سليمان بهذا الكلام ، على ما أوتي من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة والإحاطة بالمعلومات الكثيرة ، ابتلاء له في علمه ، وتنبيهاً على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علماً بما لم يحط به سليمان ، لتتحاقر إليه نفسه ويصغر إليه علمه ، ويكون لطفاً له في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء ، وأعظم بها فتنة ، والإحاطة بالشيء علماً أن يعلم من جميع جهاته ، لا يخفى منه معلوم ، قالوا : وفيه دليل على بطلان قول الرافضة إن الإمام لا يخفى عليه شيء ، ولا يكون في زمانه أعلم منه . انتهى . .
ولما أبهم في قوله : { بِمَا لَمْ تُحِطْ } ، انتقل إلى ما هو أقل منه إبهاماً ، وهو قوله : { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } ، إذ فيه إخبار بالمكان الذي جاء منه ، وأنه له علم بخبر مستيقن له . وقرأ الجمهور : من سبأ ، مصروفاً ، هذا وفي : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } ، وابن كثير ، وأبو عمرو : بفتح الهمزة ، غير مصروف فيهما ، وقنبل من طريق النبال : بإسكانها فيهما . فمن صرفه جعله اسماً للحي أو الموضع أو للأب ، كما في حديث فروة بن مسيك وغيره ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( أنه اسم رجل ولد عشرة من الولد ، تيامن منهم ستة ، وتشاءم أربعة . والستة : حمير ، وكندة ، والأزد ، وأشعر ، وخثعم ، وبجيلة ؛ والأربعة : لخم ، وجذام ، وعاملة ، وغسان . وكان سبأ رجلاً من قحطان اسمه عبد شمس . وقيل : عامر ، وسمي سبأ لأنه أول من سبأ ، ومن منعه الصرف جعله اسماً للقبيلة أو البقعة ، وأنشدوا على الصرف : % ( الواردون وتيم في ذرى سبأ % .
قد عض أعناقهم جلد الجواميس .
) % .
.
ومن سكن الهمزة ، فلتوالي الحركات فيمن منع الصرف ، وإجراء للوصل مجرى الوقف . وقال مكي : الإسكان في الوصل بعيد غير مختار ولا قوي . انتهى . وقرأ الأعمش : من سبأ ، بكسر الهمزة من غير تنوين ، حكاها عنه ابن خالويه وابن عطية ، ويبعد توجيهها . وقرأ ابن كثير في رواية : من سبأ ، بتنوين الباء على وزن رحى ، جعله مقصوراً مصروفاً . وذكر أبو معاذ أنه قرأ من سبأ : بسكون الباء وهمزة مفتوحة غير منونة ، بناه على فعلى ، فامتنع الصرف للتأنيث اللازم . وروى ابن حبيب ، عن اليزيدي : من سبأ ، بألف ساكنة ، كقولهم : تفرقوا أيدي سبا . وقرأت فرقة : بنبأ ، بألف عوض الهمزة ، وكأنها قراءة من قرأ : لسبا ، بالألف ، لتتوازن الكلمتان ، كما توازنت في قراءة من قرأهما بالهمز المكسور والتنوين . وقال في التحرير : إن هذا النوع في علم البديع يسمى بالترديد ، وفي كتاب التفريع بفنون البديع . إن الترديد رد أعجاز البيوت على صدورها ، أو رد كلمة من النصف الأول إلى النصف الثاني ، ويسمى أيضاً التصدير ، فمثال الأول قوله : % ( سريع إلى ابن العم يجبر كسره % .
وليس إلى داعي الخنا بسريع .
.
) % .
ومثال الثاني قوله