@ 58 @ الأمور . و { مَنطِقَ الطَّيْرِ } : استعارة لما يسمع منها من الأصوات ، وهو حقيقة في بني آدم ، لما كان سليمان يفهم منه ما يفهم من كلام بني آدم ، كما يفهم بعض الطير من بعض ، أطلق عليه منطق . وقيل : كانت الطير تكلمه معجزة له ، كقصة الهدهد ، والظاهر أنه علم منطق الطير وعموم الطير . وقيل : علم منطق الحيوان . قيل : والنبات ، حتى كان يمر على الشجرة فتذكر له منافعها ومضارها ، وإنما نص على الطير ، لأنه كان جنداً من جنوده ، يحتاج إليه في التظليل من الشمس ، وفي البعث في الأمور . وقال قتادة : والشعبي : وكذلك كانت هذه النملة القائلة ذات جناحين . وأورد المفسرون مما ذكروا بأن سليمان عليه السلام أخبر عن كثير من الطير بأنواع من الكلام ، تقديس لله تعالى وعظات ، وعبر ما الله أعلم بصحته . .
{ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَىْء } : ظاهره العموم ، والمراد الخصوص ، أي من كل شيء يصلح لنا ونتمناه ، وأريد به كثرة ما أوتي ، فكأنه مستغرق لجميع الأشياء . كما تقول : فلان يقصده كل أحد ، يريد كثرة فصاده ، وهذا كقوله تعالى في قصة بلقيس : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء } ؛ وبنى علمنا وأوتينا للمفعول ، وحذف الفاعل للعلم به ، وهو الله تعالى . وكانا مسندين لنون العظمة لا لتاء المتكلم ، لأنه إما إن أراد نفسه وأباه ، أو لما كان ملكاً مطاعاً خاطب أهل طاعته ومملكته بحاله التي هو عليها ، لا على سبيل التعاظم والتكبر . .
{ إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } : إقرار بالنعمة وشكر لها ومحمدة . .
روي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة خمسة وعشرون للجن ، ومثلها للإنس ، ومثلها للطير ، ومثلها للوحش ، وألف بيت من قوارير على الخشب ، فيها ثلاثمائة منكوحة ، وسبعمائة سرية ، وقد نسجت له الجن بساطاً من ذهب وإبريسم فرسخاً في فرسخ ، ومنبره في وسطه من ذهب ، فيصعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة ، تقعد الأنبياء على كراسي الفضة ، وحولهم الناس ، وحول الناس الجن والشياطين ، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس ، وترفع ريح الصبا البساط ، فتسير به مسيرة شهر ، وتفصيل هذه الأشياء يحتاج إلى صحة نقل ، وكان ملكه عظيماً ، ملأ الأرض ، وانقاد له أهل المعمور منها . وتقدم لنا أنه ملك الأرض بأسرها أربعة : مؤمنان : سليمان وذو القرنين ، وكافران : بختنصر ونمروذ . وحشر الجنود يقتضي سفراً وفسر الجنود أنهم الجن والإنس والطير ، وذكر المفسرون الوحش رابعاً . .
{ فَهُمْ يُوزَعُونَ } : يحشر أولهم على آخرهم ، أي يوقف متقدمو العسكر حتى يأتي آخرهم فيجتمعون ، لا يتخلف منهم أحد وذلك للكثرة العظيمة ، أو يكفون عن المسير حتى يجتمعوا . وقيل : يجتمعون من كل جهة . وقيل : يساقون . وقيل : يدفعون . وقيل : يحبسون . كانت الجيوش تسير معه إذا سار ، تنزل إذا نزل . { حَتَّى إِذَا أَتَوْا } : هذه غاية لشيء مقدر ، أي وساروا حتى إذا أتوا ، أو يضمن يوزعون معنى فعل يقتضي أن تكون حتى غاية له ، أي فهم يسيرون مكنوفاً بعضهم من مفارقة بعض . وعدى أتوا بعلى ، إما لأن إتيانهم كان من فوق ، وإما أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم : أتى على الشيء ، إذا أتى على آخره وأنفذه ، كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي ، لأنهم ما دامت الريح تحملهم لا يخاف حطمهم ، قاله الزمخشري . .
وقال ابن عطية : والظاهر أن سليمان وجنوده كانوا مشاة في الأرض ، ولذلك يتهيأ حطم النمل بنزولهم في وادي النمل . ويحتمل أنهم كانوا في الكرسي المحمول بالريح ، فأحست النمل بنزولهم في وادي النمل ، ووادي النمل قيل بالشام . وقيل : بأقصى اليمن ، وهو معروف عند العرب مذكور في أشعارها . وقال كعب : وادي السدر من الطائف . والظاهر صدور القول من النملة ، وفهم سليمان كلامها ، كما فهم منطق الطير . قال مقاتل : من ثلاثة أميال . وقال الضحاك بلغته : الريح كلامها . وقال ابن بحر : نطقت بالصوت معجزة لسليمان ، ككلام الضب والذراع للرسول . وقيل : فهمه إلهاماً من الله ، كما فهمه جنس النمل ، لا أنه سمع قولاً . وقال الكلبي : أخبره ملك بذلك . قال الشاعر : % ( لو كنت أوتيت كلام الحكل % .
علم سليمان كلام النمل .
) % .