@ 57 @ سبيل المجاز ، لما كان يبصر بها جعلت مبصرة ، أو لما كان معها الإبصار والوضوح . وقيل : لجعلهم بصراء ، من قولل : أبصرته المتعدية بهمزة النقل من بصر . وقيل : فاعل بمعنى مفعول ، كماء دافق . وقرأ قتادة ، وعلي بن الحسين : مبصرة ، بفتح الميم والصاد ، وهو مصدر ، كما تقول : الولد مجبنة ، وأقيم مقام الاسم ، وانتصب أيضاً على الحال ، وكثر هذا الوزن في صفات الأماكن نحو : أرض مسبعة ، ومكان مضنية . قال الزمخشري : أي مكاناً يكثر فيه التبصر . انتهى . والأبلغ في : { وَاسْتَيْقَنَتْهَا } أن تكون الواو واو الحال ، أي كفروا بها وأنكروها في الظاهر ، وقد استيقنت أنفسهم في الباطن أنها آيات من عند الله ، وكابروا وسموها سحراً . وقال تعالى ، حكاية عن موسى في محاورته لفرعون : { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * بَصَائِرَ } . { ظُلْماً } : مجاوزة الحد ، { وَعُلُوّاً } : ارتفاعاً وتكبراً عن الإيمان ، وانتصبا على أنهما مصدران في موضع الحال ، أي ظالمين عالين ؛ أو مفعولان من أجلهما ، أي لظلمهم وعلوهم ، أي الحامل لهم على الإنكار والجحود ، مع استيقان أنها آيات من عند الله هو الظلم والعلو . واستفعل هنا بمعنى تفعل نحو : استكبر في معنى تكبر . وقرأ عبد الله ، وابن وثاب ، والأعمش ، وطلحة ، وأبان بن تغلب ، وعلياً : تقلب الواو ياء ، وكسر العين واللام ، وأصله فعول ، لكنهم كسروا العين اتباعاً ؛ وروي ضمها عن ابن وثاب والأعمش وطلحة ، وتقدم الخلاف في كفر العناد ، هل يجوز أن يقع أم لا ؟ والعاقبة : ما آل إليه قوم فرعون من سوء المنقلب ، وما أعد لهم في الآخرة أشد ، وفي هذا تمثيل لكفار قريش ، إذ كانوا مفسدين مستعلين ، وتحذيرهم أن يحل بهم مثل ما حل بمن كان قبلهم . .
{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا * دَاوُودُ * وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ * دَاوُودُ * وَقَالَ يأَبَتِ * أَيُّهَا النَّاسُ * عُلّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَىْء إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنّ وَالإِنْس وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِى * النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يأَيُّهَا * أَيُّهَا * النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ } . .
هذا ابتداء قصص وأخبار بمغيبات وعبر ونكر . { عِلْمًا } لأنه طائفة من العلم . وقال قتادة : علماً : فهماً . وقال مقاتل : علماً بالقضاء . وقال ابن عطاء : علماً بالله تعالى . وقال الزمخشري : أو علماً سنياً عزيزاً . { وَقَالاَ } قال : فإن قلت : أليس هذا موضع الفاء دون الواو ، كقولك : أعطيته فشكر ومنعته فصبر ؟ قلت : بلى ، ولكن عطفه بالواو إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه ، فأضمر ذلك ، ثم عطف عليه التحميد ، كأنه قال : ولقد آتيناهما علماً ، فعملا به وعلماه ، وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة ، { وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ } ، والكثير المفضل عليه من لم يؤت علماً ، أو من يؤت مثل علمهما ، وفي الآية دليل على شرف العلم . انتهى . والموروث : الملك والنبوّة ، بمعنى : صار ذلك إليه بعد موت أبيه فسمي ميراثاً تجوزاً ، كما قيل : العلماء ورثة الأنبياء . وحقيقة الميراث في المال والأنبياء لا نورث مالاً ، وكان لداود تسعة عشر ولداً ذكراً ، فنبىء سليمان من بينهم وملك . وقيل : ولاه على بني إسرائيل في حياته من بين سائر أولاده ، فكانت الولاية في معنى الوراثة . وقال الحسن : ورث المال لأن النبوة عطية مبتدأة لا تورث . وقيل : الملك والسياسة . وقيل : النبوة فقط ، والأظهر القول الأول ، ويؤيده قوله : { عُلّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ } ، فهذا يدل على النبوة ؛ { وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَىْء } يدل على الملك ، وكان هذا شرحاً للميراث . وقوله : { إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } يقوي ذلك ، ولا يناسب شيء من هذا وراثة المال . .
وقوله : { يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ } تشهير لنعمة الله ، وتنويه بها واعتراف بمكانها ، ودعاء الناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير ، وغير ذلك مما أوتيه من عظائم