@ 24 @ لأن النبي ذو حكمة وحكم بين الناس . وقال أبو عبد الله الرازي : لا يجوز تفسير الحكم بالنبوة لأنها حاصلة ، فلو طلب النبوة لكانت مطلوبة ، إما عين الحاصلة أو غيرها . والأول محال ، لأن تحصيل الحاصل محال ، والثاني محال ، لأنه يمنع أن يكون الشخص الواحد نبياً مرتين ، بل المراد من الحكم ما هو كمال النبوة العملية ، وذلك بأن يكون عالماً بالخير لأجل العمل به . انتهى . وقال ابن عطية : وقد فسر الحكم بالحكمة والنبوة ، قال : ودعاؤه عليه السلام في مثل هذا هو في التثبت والدوام . وإلحاقه بالصالحين : توفيقه لعمل ينتظمه في جملتهم ، أو يجمع بينه وبينهم في الجنة . وقد أجابه تعالى حيث قال : { وَإِنَّهُ فِى الاْخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } . .
قال أبو عبد الله الرازي : وإنما قدّم قوله : { هَبْ لِى حُكْماً } على قوله : { وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ } ، لأن القوة النظرية مقدمة على القوة العملية ، لأنه يمكنه أن يعلم الحق ، وإن لم يعمل به ، وعكسه غير ممكن ، لأن العلم صفة الروح ، والعمل صفة البدن ، وكما أن الروح أشرف من البدن ، كذلك العلم أفضل من الإصلاح . انتهى . ولسان الصدق ، قال ابن عطية : هو الثناء وتخليد المكانة بإجماع من المفسرين . وكذلك أجاب الله دعوته ، فكل ملة تتمسك به وتعظمه ، وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ) . قال مكي : وقيل معنى سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق ، فأجيبت الدعوة في محمد عليه السلام ، وهذا معنى حسن ، إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ . انتهى . ولما طلب سعادة الدنيا ، طلب سعادة الآخرة ، وهي جنة النعيم ، وشبهها بما يورث ، لأنه الذي يقسم في الدنيا شبه غنيمة الدنيا بغنيمة الآخرة ، وقال تعالى : { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } . .
ولما فرغ من مطالب الدنيا والآخرة لنفسه ، طلب لأشد الناس التصاقاً به ، وهو أصله الذي كان ناشئاً عنه ، وهو أبوه ، فقال : { وَاغْفِرْ لاِبِى } ، وطلبه المغفرة مشروط بالإسلام ، وطلب المشروط يتضمن طلب الشرط ، فحاصله أنه دعا بالإسلام . وكان وعده ذلك يوضحه قوله : { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْراهِيمَ لاِبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ * اللَّهِ } ، أي الموافاة على الكفر تبرأ منه . وقيل : كان قال له إنه على دينه باطناً وعلى دين نمروذ ظاهراً ، تقية وخوفاً ، فدعا له لاعتقاده أن الأمر كذلك ، فلما تبين له خلاف ذلك تبرأ منه ، ولذلك قال في دعائه : { وَاغْفِرْ لاِبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالّينَ } . فلولا اعتقاده أنه في الحال ليس بضال ما قال ذلك . { وَلاَ تَحْزَنِى } : إما من الخزي ، وهو الهوان ، وإما من الخزاية ، وهي الحياء . والضمير في { يُبْعَثُونَ } ضمير العباد ، لأنه معلوم ، أو ضمير { الضَّالّينَ } ، ويكون من جملة الاستغفار ، لأنه يكون المعنى : يوم يبعث الضالون . وأتى فيهم : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ } بدل من : { يَوْمِ يُبْعَثُونَ } . { مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } : أي كما ينفع في الدنيا يفديه ماله ويذب عنه بنوه . وقيل : المراد بالبنين جميع الأعوان . وقيل : المعنى يوم لا ينفع إعلاق بالدنيا ومحاسنها ، فقصد من ذلك الذكر العظيم والأكثر ، لأن المال والبنين هي زينة الحياة الدنيا . والظاهر أن الاستثناء منقطع ، أي لكن من أتى الله بقلب سليم ينفعه سلامة قلبه . قال الزمخشري : ولك أن تجعل الاستثناء منقطعاً ، ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف ، وهو الحال المراد بها السلامة ، وليست من جنس المال والبنين حتى يؤول المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان ، وإنما ينفع سلامة القلب ، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى . انتهى . ولا ضرورة تدعو إلى حذف مضاف ، كما ذكر ، إذ قدرناه ، لكن { مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ينفعه ذلك ، وقد جعله الزمخشري في أول توجيه متصلاً بتأويل قال : إلا من أتى الله : لا حال من أتى الله بقلب سليم ، وهو من قوله