@ 23 @ شفاني بالتوبة . وقال الزمخشري : وإنما قال : مرضت دون أمر ضني ، لأن كثيراً من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك . ومن ثم قال الحكماء : لو قيل لأكثر الموتى : ما سبب آجالكم ؟ لقالوا : التخم ، ولما كان الشفاء قد يعزى إلى الطيب ، وإلى الدواء على سبيل المجاز ؛ كما قال : { فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ } ، أكد بقوله : { فَهُوَ يَشْفِينِ } : أي الذي هو يهدين ويطعمني ويسقين هو الله لا غيره . .
ولما كانت الإماتة بعد البعث ، لا يمكن إسنادها إلا إلى الله ، لم يحتج إلى توكيد ودعوى نمروذ لإماتة والإحياء هي منه على سبيل المخرفة والقحة ، وكذلك لم يحتج إلى تأكيد في : { وَالَّذِى أَطْمَعُ } . وأثبت ابن أبي إسحاق ياء المتكلم في يهديني وما بعده ، وهي رواية عن نافع . والطمع عبارة عن الرجاء ، وإبراهيم عليه السلام كان جازماً بالمغفرة . فقال الزمخشري : لم يجزم القول بالمغفرة ، وفيه تعليم لأممهم ، وليكون لطفاً بهم في اجتناب المعاصي والحذر منها ، وطلب المغفرة مما يفرط منهم . انتهى . ورده الرازي قال : لأن حاصله يرجع إلى أنه ، ونطق بكلمة لا أذكرها ، وبعدها على نفسه لأجل تعليم الأمة ، وهو باطل قطعاً . وقال الجبائي : أراد به سائر المؤمنين ، لأنهم الذين يطمعون ولا يقطعون . ورده الرازي بأن جعل كلام الواحد من كلام غيره ، مما يبطل نظم الكلام . وقال الحسن : المراد بالطمع اليقين . وقال الرازي : لا يستقيم هذا إلا على مذهبنا ، حيث قلنا : إنه لا يجب على الله شيء ، وإنه يحسن منه كل شيء ، ولا اعتراض لأحد عليه في فعله . وقال ابن عطية : أوقف عليه الصلاة والسلام نفسه على الطمع في المغفرة ، وهذا دليل على شدة خوفه مع منزلته وخلته . .
وقرأ الجمهور : خطيئتي على الإفراد ، والحسن : خطاياي على الجمع ، وذهب الأكثرون إلى أنها قوله : { إِنّى سَقِيمٌ } ، و { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ } ، وهي أختي في سارة . وقالت فرقة : أراد بالخطيئة اسم الجنس ، قدرها في كل أمره من غير تعيين . قال ابن عطية : وهذا أظهر عندي ، لأن تلك الثكلاث قد خرجها كثير من العلماء على المعاريض . وقال الزمخشري : المراد ما يندر منه في بعض الصغائر ، لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون مختارون على العالمين ، وهي قوله وذكر الثلاثة ثم قال وما هي إلا معاريض ، كلام وتخيلات للكفرة ، وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار . فإن قلت : إذا لم يندر منهم إلا الصغائر ، وهي تقع مكفرة ، فما له أثبت لنفسه خطيئة أو خطايا ، وطمع أن يغفر له ؟ قلت : الجواب ما سبق ، أن استغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم ، ويدل عليه قوله : اطمع ، ولم يجزم القول . انتهى . و { يَوْمِ الدّينِ } : ظرف ، والعامل فيه يعفر ، والغفران ، وإن كان في الدنيا ، فأثره لا يتبين إلا يوم الجزاء ، وهو في الدنيا لا يعلم إلا بإعلام الله تعالى . وضعف أبو عبد الله الرازي حمل الخطيئة على تلك الثلاث ، لأن نسبة ما لا يطابق إلى إبراهيم غير جائز ، وحمله على سبيل التواضع قال : لأنه إن طابق في هذا الموضع زال الإشكال ، وإن لم يطابق رجع حاصل الجواب إلى إلحاق المعصية به ، لأجل تنزيهه عن المعصية . قال : والجواب الصحيح أن يحمل ذلك على ترك الأولى ، وقد يسمى خطأ . فإن من باع جوهرة تساوي ألفاً بدينار ، قيل : أخطأ ، وترك الأولى على الأنبياء جائز . انتهى ، وفيه بعض تلخيص وتبديل ألفاظ للأدب بما يناسب مقام النبوة . .
وقدم إبراهيم عليه السلام الثناء على الله تعالى ، وذكره بالأوصاف الحسنة بين يدي طلبته ومسألته ، ثم سأله تعالى فقال : { رَبّ هَبْ لِى حُكْماً } ، فدل على أن تقديم الثناء على المسلة من المهمات . والظاهر أن الحكم هو الفصل بين الناس بالحق . وقيل : الحكم : الحكمة والنبوة ، لأنها حاصلة تلو طلب النبوة ،