@ 15 @َ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لاقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ } . .
قال ابن عطية : وانتصب حوله على الظرف ، وهو في موضع الحال ، أي كائنين حوله ، فالعامل فيه محذوف ، والعامل فيه هو الحال حقيقة والناصب له ، قال : لأنه هو العامل في ذي الحال بواسطة لام الجر ، نحو : مررت بهند ضاحكة . والكوفيون يجعلون الملأ موصولاً ، فكأنه قيل : قال للذي حوله ، فلا موضع للعامل في الظرف ، لأنه وقع صلة . وقال الزمخشري : فإن قلت : ما العامل في حوله ؟ قلت : هو منصوب نصبين : نصب في اللفظ ، ونصب في المحل . فالعامل في النصب اللفظي ما يقدر في الظرف ، وذلك استقروا حوله ، وهذا يقدر في جميع الظروف ، والعامل في النصب المحلي ، وهو النصب على الحال . انتهى . وهو تكثير وشقشقة كلام في أمر واضح من أوائل علم العربية . .
ولما رأى فرعون أمر العصا واليد ، وما ظهر فيهما من الآيات ، هاله ذلك ولم يكن له فيه مدفع فزع إلى رميه بالسحر . وطمع لغلبة علم السحر في ذلك الزمان أن يكون ثَمّ من يقاومه ، أو كان علم صحة المعجزة . وعمى تلك الحجة على قومه ، برميه بالسحر ، وبأنه { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } ، ليقوي تنفيرهم عنه ، وابتغاؤهم الغوائل له ، وأن لا يقبلوا قوله ؛ إذ من أصعب الأشياء على النفوس مفارقة الوطن الذي نشأوا فيه ، ثم استأمرهم فيما يفعل معه ، وذلك لما حل به من التحير والدهش وانحطاطه عن مرتبة ألوهيته إلى أن صار يستشيرهم في أمره ، فيأمرونه بما يظهر لهم فيه ، فصار مأموراً بعد أن كان آمراً . وتقدم الكلام في { مَاذَا * تَأْمُرُونَ } وفي الألفاظ التي وافقت ما في سورة الأعراف ، فأغنى عن إعادته . ولما قال : { إِنَّ هَاذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } ، عارضوا بقوله : { بِكُلّ سَحَّارٍ } ، فجاءوا بكلمة الاستغراق والبناء الذي للمبالغة ، لينفسوا عنه بعض ما لحقه من الكرب . وقرأ الأعمش ، وعاصم في رواية : بكل ساحر . واليوم المعلوم : يوم الزينة ، وتقدم الكلام عليه في سورة طه . وقوله : { هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ } ، استبطاء لهم في الاجتماع ، والمراد منه استعجالهم ، كما يقول الرجل لغلامه : هل أنت منطلق ؟ إذا أراد أن يحرك منه ويحثه على الانطلاق ، كما يخيل إليه أن الناس قد انطلقوا وهو واقف ، ومنه قول تأبط شراً : % ( هل أنت باعث ديناراً لحاجتناأو عند رب أخا عون بن مخراق % .
يريد : ابعثه إلينا سريعاً ولا تبطىء به . وترجوا اتباع السحرة ، أي في دينهم ، إن غلبوا موسى عليه السلام ، ولا يتبعون موسى في دينه . وساقوا الكلام سياق الكناية ، لأنهم إذا اتبعوهم لم يتعبوا موسى عليه السلام . ودخلت إذا هنا بين اسم إن وخبرها ، وهي جواب وجزاء . { قَالَ فِرْعَوْنُ } : الظاهر أن الباء للقسم ، والذي تتعلق به الباء محذوف ، وعدلوا عن الخطاب إلى اسم الغيبة تعظيماً ، كما يقال للملوك : أمروا رضي الله عنهم بكذا ، فيخبر عنه إخبار الغائب ، وهذا من نوع إيمان الجاهلية . وقد سلك كثير من المسلمين في الإيمان ما هو أشنع من إيمان الجاهلية ، لا يرضون بالقسم بالله ، ولا يعتدون به حتى يحلف أحدهم بنعمة السلطان وبرأس المحلف ، فحينذ يستوثق منه . وقال ابن عطية : بعد أن ذكر أنه قسم قال : والأجر أن يكون على جهة التعظيم والتبرك باسمه ، إذ كانوا يعبدونه ؛ كما تقول إذا ابتدأت بعمل شيء : بسم الله ، وعلى بركة الله ، ونحو هذا . وبين قوله : { قَالَ لَهُمْ مُّوسَى } ، وقوله : { لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } ، كلام محذوف ، وهو ما ثبت في الأعراف من تخييرهم إياه في البداءة من يلقى . قال الزمخشري : فإن قلت : فاعل الإلقاء ما هو لو صرح به ؟ قلت : هو الله عز وجل ، بما خوّلهم من التوفيق وإيمانهم ، أو بما عاينوا من المعجزة الباهرة ، ولك أن لا تقدر فاعلاً ، لأن ألقوا بمعنى خروا وسقطوا . انتهى . وهذا القول الآخر ليس بشيء . لا يمكن أن يبني الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله إلا وقد حذف الفاعل فناب ذلك عنه ، أما أنه لا يقدر فاعل ، فقول ذاهب عن الصواب .