@ 14 @ أولاً : { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } ، وآخراً : { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ؟ قلت : لأين أولاً ، فلما رأى شدة الشكيمة في العناد وقلة الإصغاء إلى عرض الحجج ، خاشن وعارض إن رسولكم لمجنون بقوله : { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } . فإن قلت : ألم يكن لأسجننك أخصر من { لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } ومؤدّياً مؤدّاه ؟ قلت : أما أخصر فنعم ، وأما مؤدّياً مؤدّاه فلا ، لأن معناه : لأجعلنك واحداً ممن عرفت حالهم في سجوني . وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوّة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فرداً ، لا يبصر فيها ولا يسمع ، فكان ذلك أشد من القتل . انتهى . ولما كان عند موسى عليه السلام من أمر فرعون ما لا يروعه معه توعد فرعون ، قال له على جهة اللطف به والطمع في إيمانه : { أَوْ * لَوْ * جِئْتُكَ بِشَىء مُّبِينٍ } ، أي يوضح لك صدقي ، أفكنت تسجنني ؟ قال الزمخشري : أو لو جئتك ، واو الحال دخلت عليها همزة الاستفهام ، معناه : أتفعل بي ذلك ولو جئتك بشيء مبين ؟ انتهى . وتقدّم لنا الكلام على هذه الواو ، والداخلة على لو في مثل هذا السياق في قوله : { أَوْ * لَّوْ كَانَ * لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ } ، فأغنى عن إعادته . وقال الحوفي : واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام للتقرير ، والمعنى : أتسجنني حتى في هذه الحالة التي لا تناسب أن أسجن وأنا متلبس بها ؟ . .
ولما سمع فرعون هذا من موسى طمع أن يجده موضع معارضة فقال له : { فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } ، إن لك رباً بعثك رسولاً إلينا . قال الزمخشري : وفي قوله : { إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } دليل على أنه لا يأتي بالمعجزة إلا الصادق في دعواه ، لأن المعجزة تصديق من الله لمدعي النبوة ، والحكيم لا صدق الكاذب . ومن العجب أن مثل فرعون لم يخف عليه مثل هذا ، وخفي على ناس من أهل القبلة ، حيث جوزوا القبيح على الله حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات . انتهى . وتقديره : إن كنت من الصادقين فأئت به ، حذف الجزاء ، لأن الأمر بالإتيان يدل عليه . وقدره الزمخشري : إن كنت من الصادقين في دعواك أتيت به . جعل الجواب المحذوف فعلاً ماضياً ، ولا يقدر إلا من جنس الدليل بقوله : أنت ظالم إن فعلت ، تقديره : أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم . وقال الحوفي : إن حرف شرط يجوز أن يكون ما تقدم جوابه ، وجاز تقديم الجواب ، لأن حذف الشرط لم يعمل في اللفظ شيئاً . ويجوز أن يكون الجواب محذوفاً تقديره فائت به . وقول الزمخشري : حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات ، إشارة إلى إنكار الكرامات التي ذهب أهل السنة إلى إثباتها . والمعجز عندهم هو ما كان خارقاً للعادة ، ولا يكون إلا لنبي أو في زمان نبي ، إن جرى على يد غيره فتكون معجزة لذلك النبي ، أو على سبيل الإرهاص لنبي . .
{ فَأَلْقَى عَصَاهُ } : رماها من يده ، وتقدم الكلام على عصا موسى عليه السلام . والثعبان : أعظم ما يكون من الحيات . ومعنى { مُّبِينٌ } : ظاهر الثعبانية ، ليست من الأشياء التي تزوّر بالشعبذة والسحر . { وَنَزَعَ يَدَهُ } من جيبه ، فإذا هي تلألأ كأنها قطعة من الشمس . ومعنى { لِلنَّاظِرِينَ } : أي بياضها يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة ، وكان بياضاً نورانياً . روي أنه لما أبصر أمر العصا قال : فهل غيرها ؟ فأخرج يده ، فقال : ما هذه ؟ قال : يدك ، فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق . .
{ قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَاذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِى الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ * فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ * أَإِنَّ لَنَا لاَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرَبّ الْعَالَمِينَ * رَبّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ ءامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السّحْر