@ 465 @ يعبدون الأصنام . والظاهر أن { الْكَافِرُ } اسم جنس فيعم . وقيل : هو أبو جهل والآية نزلت فيه . وقال عكرمة { الْكَافِرُ } هنا إبليس والظهير والمظاهر كالمعين والمعاون قاله مجاهد والحسن وابن زيد ، وفعيل بمعنى مفاعل كثير والمعنى أن { الْكَافِرُ } يعاون الشيطان على ربه بالعداوة والشريك . وقيل : معناه وكان الذي يفعل هذا الفعل وهو عبادة ما لا ينفع ولا يضر على ربه هيناً مهيناً من قولهم : ظهرت به إذا خلفته خلف ظهرك لا يلتفت إليه ، وهذا نحو قوله { أُوْلَئِكَ لاَ خَلَاقَ لَهُمْ } الآية قاله الطبري . وقيل : { عَلَى رَبّهِ } أي معيناً على أولياء الله . وقيل : معيناً للمشركين على أن لا يوحد الله . .
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا وَنَذِيرًا } سلى نبيه بذلك أي لا تهتم بهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات ، وإنما أنت رسول تبشر تبشر المؤمنين بالجنة وتنذر الكفرة بالنار ، ولست بمطلوب بإيمانهم أجمعين . ثم أمره تعالى أن يحتج عليهم مزيلاً لوجوه التهم بقوله { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي لا أطلب مالاً ولا نفعاً يختص بي . والضمير في { عَلَيْهِ } عائد على التبشير والإنذار ، أو على القرآن ، أو على إبلاغ الرسالة أقوال . والظاهر في { إِلاَّ مَن شَاء } أنه استثناء منقطع وقاله الجمهور . فعلى هذا قيل بعباده { لَكِنِ * مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلاً } فليفعل . وقيل : لكن من أنفق في سبيل الله ومجاهدة أعدائه فهو مسؤولي . وقيل : هو متصل على حذف مضاف تقديره : إلاّ أجر من اتخذ إلى ربه سبيلاً أي إلاّ أجر من آمن أي الأجر الحاصل لي على دعائه إلى الإيمان وقبوله ، لأنه تعالى يأجرني على ذلك . وقيل : إلاّ أجر من آمن من يعني بالأجرة الإنفاق في سبيل الله أي لا أسألكم أجراً إلاّ الإنفاق في سبيل الله ، فجعل الإنفاق أجراً . .
ولما أخبر أنه فطم نفسه عن سؤالهم شيئاً أمره تعالى تفويض أمره إليه وثقته به واعتماده عليه فهو المتكفل بنصره وإظهار دينه . ووصف تعالى نفسه بالصفة التي تقتضي التوكل في قوله { الْحَىّ الَّذِى لاَ يَمُوتُ } لأن هذا المعنى يختص به تعالى دون كل حي كما قال { كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } . وقرأ بعض السلف هذه الآية فقال : لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق ، ثم أمره بتنزيهه وتمجيده مقروناً بالثناء عليه لأن التنزيه محله اعتقاد القلب والمدح محله اللسان الموافق للأعتقاد . وفي الحديث : ( من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر . وهي الكلمتان الخفيفتان على اللسان الثقيلتان في الميزان ) . .
{ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } أراد أنه ليس إليه من أمور عباده شيء آمنوا أم كفروا ، وأنه خبير بأحوالهم كاف في جزاء أعمالهم . وفي هذه الجملة تسلية للرسول ووعيد للكافر . وفي بعض الأخبار كفى بك ظفراً أن يكون عدوك عاصياً وهي كلمة يراد بها المبالغة تقول : كفى بالعلم جمالاً . وكفى بالأدب مالاً ، أي حسبك لا تحتاج معه إلى غيره لأنه خبير بأحوالهم قادر على مكافأتهم . .
ولما أمره بالتوكل والتسبيح وذكر صفة الحياة الدائمة ذكر ما دل على القدرة التامة وهو إيجاد هذا العالم . وتقدم الكلام في نظير هذا الكلام واحتمل { الَّذِى } أن يكون صفة للحي الذي لا يموت . ويتعين على قراءة زيد بن عليّ { الرَّحْمَانُ } بالجر وأما على قراءة الجمهور { الرَّحْمَانُ } بالرفع فإنه يحتمل أن يكون { الَّذِى } صفة للحي و { الرَّحْمَانُ } خبر مبتدأ محذوف . ويحتمل أن يكون { الَّذِى } مبتدأ و { الرَّحْمَانُ } خبره . وأن يكون { الَّذِى } ( سقط : منصوبا على إضمار أعني ، ويجوز على مذاهب الأخفش أن يكون الرحمن مبتدا وفاسأل خبره تخريجه على حده قول الشاعر وقائلة خولا فانكح فتاتهم ، وجوزوا أيضا في الرحمن أن يكون بدلا من الضمير المستكين في استوى والظاهر : تعلق به بقوله فاسأل وبقاء الباء غير مضمنة معنى عن ، وخبيرا من صفات الله ، كما نقول لقيت بزيد أسدا ولقيت بزيد البحر تريد : أنه هو الأسد شجاعة والبحر رما ، والمعنى أنه تعالى اللطيف العالم الخبير ، والمعنى فاسأل الله الخبير بالأشياء )