@ 378 @ لأن لكل واحد غمرة ، وعلى قراءة الجمهور فغمرة تعم إذا أضيفت إلى عام . وقال الزمخشري : الغمرة الماء الذي يغمر القامة فضربت مثلاً لما هم مغمورون فيه من جهلهم وعمايتهم ، أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم عليه من الباطل ، قال الشاعر : .
كأني ضارب في غمرة لعب .
سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بذلك ، ونهى عن الاستعجال بعذابهم والجزع من تأخره انتهى . ثم وقفهم تعالى على خطأ رأيهم في أن نعمة الله عليهم بالمال ونحوه إنما هي لرضاه عن حالهم ، وبيّن تعالى أن ذلك إنما هو إملاء واستدراج إلى المعاصي واستجرار إلى زيادة الإثم وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ومعاجلة بالإحسان . .
وقرأ ابن وثاب { أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ } بكسر الهمزة . وقرأ ابن كثير في رواية يمدهم بالياء ، وما في { إِنَّمَا } إما بمعنى الذي أو مصدرية أو كافة مهيئة إن كانت بمعنى الذي فصلتها ما بعدها ، وخبر إن هي الجملة من قوله { نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْراتِ } والرابط لهذه الجملة ضمير محذوف لفهم المعنى تقديره : نسارع لهم به في الخيرات ، وحسن حذفه استطالة الكلام مع أمن اللبس . وتقدم نظيره في قوله { أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ } وقال هشام بن معونة : الضرر الرابط هو الظاهر وهو { فِى الْخَيْراتِ } وكان المعنى { نُسَارِعُ لَهُمْ } فيه ثم أظهر فقال { فِى الْخَيْراتِ } فلا حذف على هذا التقدير ، وهذا يتمشى على مذهب الأخفش في إجازته نحو زيد قام أبو عبد الله إذا كان أبو عبد الله كنية لزيد ، فالخيرات من حيث المعنى هي الذي مدُّوا به من المال والبنين وإن كانت ما مصدرية فالمسبوك منها ومما بعدها هو مصدر اسم إن وخبر إن هو { نُسَارِعُ } على تقدير مسارعة فيكون الأصل أن نسارع فحذفت أن وارتفع الفعل ، والتقدير أيحسبون أن إمدادنا لهم بالمال والبنين مسارعة لهم في الخيرات . وإن كانت ما كافة مهيئة فهو مذهب الكسائي فيها هنا فلا تحتاج إلى ضمير ولا حذف ، ويجوز الوقف على { وَبَنِينَ } كما تقول حسبت إنما يقوم زيد ، وحسبت أنك منطلق ، وجاز ذلك لأن ما بعد حسبت قد انتظم مسنداً ومسنداً إليه من حيث المعنى ، وإن كان في ما يقدر مفرداً لأنه ينسبك من أن وما بعدها مصدر . .
وقرأ السلمي وعبد الرحمن بن أبي بكرة يسارع بالياء وكسر الراء فإن كان فاعل { نُسَارِعُ } ضمير يعود على ما بمعنى الذي ، أو على المصدر المنسبك من ما نمد فنسارع خبر لأن ولا ضمير ولا حذف أي يسارع هو أي الذي يمد ويسارع ، هو أي إمدادنا . وعن ابن أبي بكرة المذكور بالياء وفتح الراء مبنياً للمفعول . وقرأ الحر النحوي نسرع بالنون مضارع أسرع { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } إضراب عن قوله { أَيَحْسَبُونَ } أي بل هم أشباه البهائم لا فطنة لهم ولا شعور فيتأملوا ويتفكروا أهو استدراج أم مسارعة في الخير وفيه تهديد ووعيد . .
{ إِنَّ الَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِئَايَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهِمْ راجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ * وَلاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ * بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ مّنْ هَاذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مّن دُونِ ذالِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ * الْعَذَابَ إِذَا هُمْ * يَجْئَرُونَ * لاَ تَجْئَرُواْ الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ ءايَتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } . .
لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعدهم عقب ذلك بذكر المؤمنين ووعدهم وذكرهم بأبلغ صفاتهم ، والإشفاق أبلغ التوقع والخوف ومنهم من حمل الخشية على العذاب والمعنى والذين هم من عذاب { رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ } وهو قول الكلبي ومقاتل و { مّنْ خَشْيَةِ } متعلق بمشفقون قاله الحوفي . وقال ابن عطية : و { مِنْ } في { مّنْ خَشْيَةِ } هي لبيان جنس الإشفاق ، والإشفاق إنما هو من عذاب الله ، والآيات تعم القرآن والعبر والمصنوعات التي لله وغير ذلك مما فيه نظر . وفي كل شيء له آية . .
ثم ذكر نفي الإشراك وهو عبادتهم آلهتهم التي هي