@ 377 @ الاْولَى } . { لَعَلَّهُمْ } ترج بالنسبة إليهم { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } لشرائعها ومواعظها . .
{ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ } أي قصتهما وهي { ءايَةً } عظمى بمجموعها وهي آيات مع التفصيل ، ويحتمل أن يكون حذف من الأول آية لدلالة الثاني أي وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية . والربوة هنا . قال ابن عباس وابن المسيب : الغوطة بدمشق ، وصفتها أنها { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } على الكمال . وقال أبو هريرة : رملة فلسطين . وقال قتادة وكعب : بيت المقدس ، وزعم أن في التوراة أن بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء ، وأنه يزيد على أعلى الأرض ثمانية عشر ميلاً . وقال ابن زيد ووهب : الربوة بأرض مصر ، وسبب هذا الإيواء أن ملك ذلك الزمان عزم على قتل عيسى ففرت به أمه إلى أحد هذه الأماكن التي ذكرها المفسرون . وقرأ الجمهور { رَبْوَةٍ } بضم الراء وهي لغة قريش ، والحسن وأبو عبد الرحمن وعاصم وابن عامر بفتحها ، وأبو إسحاق السبيعي بكسرها وابن أبي إسحاق رباوة بضم الراء بالألف ، وزيد بن عليّ والأشهب العقيلي والفرزدق والسلمي في نقل صاحب اللوامح بفتحها وبالألف . وقرىء بكسرها وبالألف { ذَاتِ قَرَارٍ } أي مستوية يمكن القرار فيها للحرث والغراسة ، والمعنى أنها من البقاع الطيبة . وعن قتادة : ذات ثمار وماء ، يعني أنها لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها . .
ونداء { الرُّسُلَ } وخطابهم بمعنى نداء كلواحد وخطابه في زمانه إذ لم يجتمعوا في زمان واحد فينادون ويخاطبون فيه ، وإنما أتى بصورة الجمع ليعتقد السامع أن أمراً نودي له جميع الرسل ووصوا به حقيق أن يوحد به ويعمل عليه . وقيل : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) وجاء بلفظ الجمع لقيامه مقام { الرُّسُلَ } وقيل : ليفهم بذلك أن هذه طريقة كل رسول كما تقول تخاطب تاجراً : يا تجار اتقوا الربا . وقال الطبري : الخطاب لعيسى ، وروي أنه كان يأكل من غزل أمه والمشهور من بقل البرية . وقال الزمخشري : ويجوز أن يقع هذا الإعلام عند إيواء عيسى ومريم إلى الربوة فذكر على سبيل الحكاية أي { * آويناهما } وقلنا لهما هذا الذي أعلمناهما أن الرسل كلهم خوطبوا بهذا وكلا مما رزقنا كما واعملا صالحاً اقتداء بالرسل والطيبات الحلال لذيذاً كان أو غير لذيذ . وقيل : ما يستطاب ويستلذ من المآكل والفواكه ويشهد له { رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } وقدم الأكل من الطيبات على العمل الصالح دلالة على أنه لا يكون صالحاً إلاّ مسبوقاً بأكل الحلال . .
{ إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } تحذير في الظاهر والمراد اتباعهم { وَإِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ } الآية تقدم تفسير مثلها في أواخر الأنبياء . وقرأ الكوفيون { وَأَنْ } بكسر الهمزة والتشديد على الاستئناف ، والحرميان : وأبو عمرو بالفتح والتشديد أي ولأن ، وابن عامر بالفتح والتخفيف وهي المخففة من الثقيلة ، ويدل على أن النداء للرسل نودي كل واحد منهم في زمانه قوله { وَإِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ } . .
وقوله { فَتَقَطَّعُواْ } وجاء هنا { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } وهو أبلغ في التخويف والتحذير من قوله في الأنبياء { فَاعْبُدُونِ } لأن هذه جاءت عقيب إهلاك طوائف كثيرين من قوم نوح ، والأمم الذين من بعدهم وفي الأنبياء وإن تقدمت أيضاً قصة نوح وما قبلها فإنه جاء بعدها ما يدل على الإحسان واللطف التام في قصة أيوب ويونس وزكريا ومريم ، فناسب الأمر بالعبادة لمن هذه صفته تعالى وجاء هنا { فَتَقَطَّعُواْ } بالفاء إيذاناً بأن التقطيع اعتقب الأمر بالتقوى ، وذلك مبالغة في عدم قبولهم وفي نفارهم عن توحيد الله وعبادته . وجاء في الأنبياء بالواو فاحتمل معنى الفاء ، واحتمل تأخر تقطعهم عن الأمر بالعبادة ، وفرح كل حزب بما لديه دليل على نعمته في ضلاله ، وأنه هو الذي ينبغي أن يعتقد وكأنه لا ريبة عنده في أنه الحق . .
ولما ذكر تعالى من ذكر من الأمم ومآل أمرهم من الإهلاك حين كذبوا الرسل كان ذلك مثالاً لقريش ، فخاطب رسوله في شأنهم بقوله { فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ } وهذا وعيد لهم حيث تقطعوا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فقائل هو شاعر ، وقائل ساحر ، وقائل به جنة كما تقطع من قبلهم من الأمم كما قال { أَتَوْا * بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } . قال الكلبي { فِى غَمْرَتِهِمْ } في جهالتهم . وقال ابن بحر : في حيرتهم . وقال ابن سلام : في غفلتهم . وقيل : في ضلالتهم { حَتَّى حِينٍ } حتى ينزل بهم الموت . وقيل : حتى يأتي ما وعدوا به من العذاب . وقيل : هو يوم بدر . وقيل : هي منسوخة بآية السيف . وقرأ الجمهور { فِى غَمْرَتِهِمْ } وعليّ بن أبي طالب وأبو حيوة والسلمي في غمراتهم على الجمع