@ 355 @ قلت : المعاقب مبعوث من جهة الله عز وجل على الإخلال بالعقاب ، والعفو عن الجاني على طريق التنزيه لا التحريم ومندوب إليه ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وسلك سبيل التنزيه ، فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب ولم ينظر في قول { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } { وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاْمُورِ } فإن { اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أي لا يلومه على ترك ما بعثه عليه وهو ضامن لنصره في كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه ، ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي فيعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو ، ويلوح به ذكر هاتين الصفتين أو دل بذكر العفو والمغفرة على نه قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلاّ القادر على حده ذلك ، أي ذلك النصر بسبب أنه قادر . .
ومن آيات قدرته البالغة أنه { يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ } و { النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ } أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والانتصار . وأنه { سَمِيعُ } لما يقولون { بَصِيرٌ } بما يفعلون وتقدم في أوائل آل عمران شرح هذا الإيلاج . .
{ ذالِكَ } أي ذلك الوصف بخلق الليل والنهار والإحاطة بما يجري فيهما وإدراك كل قول وفعل بسبب { إِنَّ اللَّهَ } { الْحَقّ } الثابت الإلهية وأن كل ما يدعى إلهاً دونه باطل الدعوة ، وأنه لا شيء أعلى منه شأناً وأكبر سلطاناً . وقرأ الجمهور { وَإِن مَّا } بفتح الهمزة . وقرأ الحسن بكسرها . وقرأ الإخوان وأبو عمرو وحفص { يَدَّعُونَ } بياء الغيبة هنا في لقمان . وقرأ باقي السبعة بتاء الخطاب وكلاهما الفعل فيه مبني للفاعل . وقرأ مجاهد واليماني وموسى الأسواري يدعو بالياء مبنياً للمفعول والواو عائدة على ما على معناها و { مَا } الظاهر أنها أصنامهم . وقيل : الشياطين والأولى العموم في كل مدعو دون الله تعالى . .
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الاْرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ * وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ * أَمْ تُرِيدُونَ * أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى الاْرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الاْرْضِ إِلاَّ } . .
لما ذكر تعالى ما دل على قدرته الباهرة من إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل وهما أمران مشاهدان مجيء الظلمة والنور ، ذكر أيضاً ما هو مشاهد من العالم العلوي والعالم السفلي ، وهو نزول المطر وإنبات الأرض وإنزال المطر واخضرار الأرض مرئيان ، ونسبة الإنزال إلى الله تعالى مدرك بالعقل . وقال أبو عبد الله الرازي : الماء وإن كان مرئياً إلاّ أن كون الله منزله من السماء غير مرئي إذا ثبت هذا وجب حمله على العلم ، لأن المقصود من تلك الرؤية إذا لم يقترن بها العلم كانت كأنها لم تحصل . .
وقال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل فأصبحت ولم صرف إلى لفظ المضارع ؟ قلت : لنكتة فيه وهي إفادة بقاء أثرر المطر زماناً بعد مان . كما تقول أنعم عليّ فلان عام كذا ، فأروح وأغذو شاكراً له . ولو قلت فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع . .
فإن قلت : فما باله رفع ولم ينصب جواباً للاستفهام ؟ قلت : لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض ، لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار مثاله أن تقول لصاحبك : ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه ، وإن رفعته فأنتم ثبت للشكر هذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الإعراب وتوقير أهله . .
وقال ابن عطية : وقوله { فَتُصْبِحُ الاْرْضُ } بمنزلة قوله فتضحى أو تصير عبارة عن استعجالها أثر نزول الماء واستمرارها كذلك عادة ووقع قوله { فَتُصْبِحُ } من حيث الآية خبراً ، والفاء عاطفة وليست بجواب لأن كونها جواباً لقوله { أَلَمْ تَرَ } فاسد المعنى انتهى . ولم يبين هو ولا الزمخشري كيف يكون النصب نافياً للاخضرار ، ولا كون المعنى فاسداً . وقال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الاْرْضُ مُخْضَرَّةً } فقال : هذا واجب وهو تنبيه . كأنك قلت : أتسمع { أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء * مَاء } فكان كذا