@ 354 @ الاستئصال عقيماً لأنه لا ليلة بعده ولا يوم ، والأيام كلها نتائج يجيء واحد أثر واحد ، وكان آخر يوم قد عقم وهذه استعارة ، وجملة هذه الآية توعد انتهى . و { حَتَّى } غاية لاستمرار مريتهم ، فالمعنى { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ } { أَوْ عَذَابٌ * يَوْمٍ عَقِيمٍ } فتزول مريتهم ويشاهدون الأمر عياناً . .
والتنوين في { يَوْمَئِذٍ } تنوين العوض ، والجملة المعوض منها هذا التنوين هو الذي حذف بعد الغاية أي { الْمَلِكُ } يوم تزول مريتهم وقدره الزمخشري أولاً يوم يؤمنون وهو لازم لزوال المرية ، فإنه إذا زالت المرية آمنوا ، وقدر ثانياً كما قدرنا وهو الأولى . والظاهر أن هذا اليوم هو يوم القيامة من حيث أنه لا ملك فيه لأحد من ملوك الدنيا كما قال تعالى { لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } ويساعد هذا التقسيم بعده ، ومن قال إنه يوم بدر ونحوه فمن حيث ينفذ قضاء الله وحده ويبطل ما سواه ويمضي حكمه فيمن أراد تعذيبه ، ويكون التقسيم إخباراً متركباً على حالهم في ذلك اليوم العقيم من الإيمان والكفر وألفاظ التقسيم ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى شرح . وقابل النعيم بالعذاب ووصفه بالمهين مبالغة فيه . .
{ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ } الآية هذا ابتداء معنى آخر ، وذلك أنه لما مات عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الأسد قال بعض الناس : من قتل من المهاجرين أفضل ممن مات حتف أنفه ، فنزلت مسوِّية بينهم في أن الله يرزقهم { رِزْقًا حَسَنًا } وظاهر { وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ } العموم . وقال مجاهد : نزلت في طوائف خرجوا من مكة إلى المدينة للهجرة فتبعهم المشركون وقاتلوهم . وروي أن طوائف من الصحابة قالوا : يا نبيّ الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا ، فما لنا إن متنا معك ؟ فأنزل الله هاتين الآيتين . .
وقال الزمخشري : لما جمعتهم المهاجرة في سبيل الله سوّى بينهم في الموعد أن يعطي من مات منهم مثل ما يعطي من قتل فضلاً منه وإحساناً والله عليم بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم ، حليم عن تفريط المفرط منهم بفضله وكرمه انتهى . وفي قوله : ومراتب استحقاقهم دسيسة الاعتزال ، والتسوية في الوعد بالرزق لا تدل على تفضيل في قدر المعطى ، ولا تسوية فإن يكن تفضيل فمن دليل آخر وظاهر الشريعة أن المقتول أفضل . وقيل : المقتول والميت في سبيل الله شهيدان . .
والرزق الحسن يحتمل أن يراد به رزق الشهداء في البرزخ ، ويحتمل أنه بعد يوم القيامة في الجنة وهو النعيم فيها . وقال الكلبي : هو الغنيمة . وقال الأصلم : هو العلم والفهم كقول شعيب { وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا } وضعف هذان القولان لأنه تعالى جعل الرزق الحسن جزاء على قتلهم في سبيل الله أو موتهم بعد هجرتهم ، وبعد ذلك لا يكون الرزق في الدنيا . والظاهر أن { خَيْرُ الرَّازِقِينَ } أفعل تفضيل ، والتفاوت أنه تعالى مختص بأن يرزق بما لا يقدر عليه غيره تعالى ، وبأنه الأصل في الرزق وغيره إنما يرزق بماله من الرزق من جهة الله . .
ولما ذكر الرزق ذكر المسكن فقال { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } وهو الجنة يرضونه يختارونه إذ فيه رضاهم كما قال { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } وتقدم الخلاف في القراءة بضم الميم أو فتحها في النساء ، والأولى أن يكون يراد بالمدخل مكان الدخول أو مكان الإدخال ، ويحتمل أن يكون مصدراً . .
{ وَذَلِكَ * مِنْ * عَاقَبَ } الآية قيل : نزلت في قوم من المؤمنين لقيهم كفار في الأشهر الحرم فأبى المؤمنون من قتالهم وأبى المشركون إلاّ القتال ، فلما اقتتلوا جدّ المؤمنون ونصرهم الله . ومناسبتها لما قبلها واضحة وهو أنه تعالى لما ذكر ثواب من هاجر وقتل أو مات في سبيل الله أخبر أنه لا يدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم . وقال ابن جريج : الآية في المشركين بغوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وأخرجوه والتقدير الأمر ذلك . قال الزمخشري : تسمية الابتداء بالجزاء لملابسته له من حيث أنه سبب وذلك مسبب عنه كما يجملون النظير على النظير والنقيض على النقيض للملابسة فإن قلت : كيف طابق ذكر العفو الغفور هذا الموضع