@ 346 @ ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر جملة مما يفعل في الحج ، وكان المشركون قد صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عام الحديبية وآذوا من كان بمكة من المؤمنين ، أنزل الله تعالى هذه الآيات مبشرة المؤمنين بدفعه تعالى عنهم ومشيرة إلى نصرهم وإذنه لهم في القتال وتمكينهم في الأرض يردهم إلى ديارهم وفتح مكة ، وأن عاقبة الأمور راجعة إلى الله تعالى وقال تعالى : { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } . .
وقرأ الحسن وأبو جعفر ونافع { يُدَافِعُ } ولولا دفاع الله . وقرأ أبو عمرو وابن كثير يدفع { وَلَوْلاَ دَفْعُ } وقرأ الكوفيون وابن عامر { يُدَافِعُ } { وَلَوْلاَ دَفْعُ } وفاعل هنا بمعنى المجرد نحو جاوزت وجزت . وقال الأخفش : دفع أكثر من دافع . وحكى الزهراوي أن دفاعاً مصدر دفع كحسب حساباً . وقال ابن عطية : يحسن { يُدَافِعُ } لأنه قد عنّ للمؤمنين من يدفعهم ويؤذيهم فتجيء مقاومته ، ودفعه مدافعة عنهم انتهى . يعني فيكون فاعل لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظاً والاشتراك فيهما معنى . وقال الزمخشر : ومن قرأ { يُدَافِعُ } فمعناه يبالغ في الدفع عنهم كما يبالغ من يغالب فيه لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ انتهى . ولم يذكر تعالى ما يدفعه عنهم ليكون أفخم وأعظم وأعم ولما هاجر المؤمنون إلى المدينة أذن الله لهم في القتال . .
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو بضم همزة { أَذِنَ } وفتح باقي السبعة . وقرأ نافع وابن عامر وحفص { يُقَاتَلُونَ } بفتح التاء والباقون بكسرها ، والمأذون فيه محذوف أي في القتال لدلالة { يُقَاتَلُونَ } عليه وعلل للإذن { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من بين مضروب ومشجوج ، فيقول لهم : ( اصبروا فإني لم أومر بالقتال ) حتى هاجر وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نُهي عنه في نيف وسبعين آية . وقيل : نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركو مكة فأذن لهم في مقاتلتهم . .
{ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } وعد بالنصر والإخبار بكونه يدفع عنهم { الَّذِينَ أُخْرِجُواْ } في موضع جر نعت للذين ، أو بدل أو في موضع نصب بأعني أو في موضع رفع على إضمارهم . و { إِلا أَنْ * النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ } في موضع نصب لأنه منقطع لا يمكن توجه العامل عليه ، فهو مقدر بلكن من حيث المعنى لأنك لو قلت { الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم } { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ } لم يصح بخلاف ما في الدار أحد إلاّ حمار ، فإن الاستثناء منقطع ويمكن أن يتوجه عليه العامل فتقول : ما في الدار إلاّ حمار فهذا يجوز فيه النصب والرفع النصب للحجاز والرفع لتميم بخلاف مثل هذا فالعرب مجمعون على نصبه . وأجاز أبو إسحاق فيه الجر على البدل واتّبعه الزمخشري فقال { أَن يَقُولُواْ } في محل الجر على الإبدال من { حَقّ } أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتبشير ، ومثله { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا } انتهى . .
وما أجازاه من البدل لا يجوز لأن البدل لا يكون إلاّ إذا سبقه نفي أو نهي أو استفهام في معنى النفي ، نحو : ما قام أحد إلاّ زيد ، ولا يضرب أحد إلاّ زيد ، وهل يضرب أحد إلاّ زيد ، وأما إذا كان الكلام موجباً أو أمراً فلا يجوز البدل : لا يقال قام القوم إلاّ زيد على البدل ، ولا يضرب القوم إلاّ زيد على البدل ، لأن البدل لا يكون إلاّ حيث يكون العامل يتسلط عليه ، ولو قلت قام إلاّ زيد ، وليضرب إلاّ عمر ولم يجز . ولو قلت في غير القرآن أخرج الناس من ديارهم إلاّ بأن يقولوا لا إله إلاّ الله لم يكن كلاماً هذا إذا تخيل أن يكون { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ } في موضع جر بدلاً من غير المضاف إلى { حَقّ } وإما أن يكون بدلاً من حق كما نص عليه الزمخشري فهو في غاية الفساد لأنه يلزم منه أن يكون البدل يلي غيراً فيصير التركيب بغير { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ } وهذا لا يصح ، ولو قدرت { إِلا } بغير كما يقدر في النفي في ما مررت بأحد إلاّ زيد فتجعله بدلاً لم يصح ، لأنه يصير التركيب بغير غير قولهم { رَبُّنَا اللَّهُ } فتكون قد أضفت غيراً إلى غير وهي هي فصار بغير غير ، ويصح في ما مررت بأحد إلاّ زيد أن تقول : ما مررت بغير زيد ، ثم إن الزمخشري حين مثل البدل قدره بغير موجب سوى التوحيد ، وهذا تمثيل للصفة جعل إلاّ بمعنى سوى ، ويصح على الصفة فالتبس عليه باب الصفة بباب البدل ، ويجوز أن تقول :