@ 340 @ هي رأس الزور { وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ } كله . و { مِنْ } في { مِنَ الاْوْثَانِ } لبيان الجنس ، ويقدر بالموصول عندهم أي الرجس الذي هو الأوثان ، ومن أنكر أن تكون { مِنْ } لبيان الجنس جعل { مِنْ } لابتداء الغاية فكأنه نهاهم عن الرجس عاماً ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس ، وعلى القول الأول يكون النهي عن سائر الأرجاس من موضع غير هذا . .
قال ابن عطية : ومن قال أن { مِنْ } للتبعيض قلب معنى الآية فأفسده انتهى . وقد يمكن التبعيض فيها بأن يعني بالرجس عبادة الأوثان ، وقد روي ذلك عن ابن عباس وابن جريج ، فكأنه قال : فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو العبادة لأن المحرم من الأوثان إنما هو العبادة ، ألا ترى أنه قد يتصور استعمال الوثن في بناء وغير ذلك مما لم يحرمه الشرع ؟ فكأن للوثن جهات منها عبادتها ، وهو المأمور باجتنابه وعبادتها بعض جهاتها ، ولما كان قول الزور معادلاً للكفر لم يعطف على الرجس بل أفرد بأن كرر له العامل اعتناء باجتنابه . وفي الحديث : ( عدلت شهادة الزور بالشرك ) . .
ولما أمر باجتناب عبادة الأوثان وقول الزور ضرب مثلاً للمشرك فقال { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ } الآية . قال الزمخشري : يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق ، فإن كان تشبيهاً مركباً فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس بعده بأن صور حاله بصورة حال من { خَرَّ مِنَ السَّمَاء } فاختطفته { الطَّيْرُ } فتفرق مرعاً في حواصلها ، وعصفت به { الرّيحَ } حتى هوت به في بعض المطارح البعيدة ، وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء والإهواء التي تنازع أوكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلالة بالريح التي { تَهْوِى } مما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة انتهى . وقرأ نافع { فَتَخْطَفُهُ } بفتح الخاء والطاء مشددة وباقي السبعة بسكون الخاء وتخفيف الطاء . وقرأ الحسن وأبو رجاء والأعمش بكسر التاء والخاء والطاء مشددة ، وعن الحسن كذلك إلاّ أنه فتح الطاء مشددة . وقرأ الأعمش أيضاً تخطه بغير فاء وإسكان الخا وفتح الطاء مخففة . وقرأ أبو جعفر والحسن وأبو رجاء : الرياح . .
{ ذالِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الاْنْعَامِ فَإِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ } . .
إعراب { ذالِكَ } كإعراب { ذالِكَ } المتقدم ، وتقدم تفسير { شَعَائِرَ اللَّهِ } في أول المائدة ، وأما هنا فقال ابن عباس ومجاهد وجماعة : هي البدن الهدايا ، وتعظيمها تسمينها والاهتبال بها والمغالاة فيها . وقال زيد بن أسلم : الشعائر ست : الصفا ، والمروة ، والبدن ، والجمار ، والمشعر الحرام ، وعرفة ، والركن . وتعظيمها إتمام ما يفعل فيها . وقال ابن عمر والحسن ومالك وابن زيد : مواضع الحج كلها ومعالمه بمنى وعرفة والمزدلفة والصفا والمروة والبيت وغير ذلك ، وهذا نحو من قول زيد بن أسلم . .
وقيل : شرائع دينه وتعظيمها التزامها والمنافع الأجر ، ويكون والضمير في { فِيهَا } من قوله { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } عائداً على الشعائر التي هي الشرائع أي { لَكُمْ فِى } التمسك بها { مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ } منقطع التكليف { ثُمَّ مَحِلُّهَا } بشكل على هذا التأويل . فقيل : فقيل : الإيمان والتوجه إليه بالصلاة ، وكذلك القصد في الحج والعمرة ، أي محل ما يختص منها بالإحرام { الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } وقيل : معنى ذلك ثم أجرها على رب { الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } قيل : ولو قيل على هذا التأويل أن { الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } الجنة لم يبعدوا الضمير في إنها عائد على الشعائر على حذف مضاف أي فإن تعظيمها أو على التعظمة ، وأضاف التقوى إلى القلوب كما قال عليه الصلاة والسلام : ( التقوى ههنا ) . وأشار إلى صدره . وعن عمر أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أن يبيعها ويشتري بثمنها بدناً فنهاه عن ذلك وقال : ( بل اهدها ) وأهدى هو عليه السلام مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب ، وكان ابن عمر يسوق البدن