@ 287 @ وعدل فوقع خبراً للمثنى . وقرأ الحسن وزيد بن عليّ وأبو حيوة وعيسى { رَتْقاً } بفتح التاء وهو اسم المرتوق كالقبض والنفض ، فكان قياسه أن يبني ليطابق الخبر الاسم . فقال الزمخشري : هو على تقدير موصوف أي { كَانَتَا } شيئاً { رَتْقاً } . وقال أبو الفضل الرازي : الأكثر في هذا الباب أن يكون المتحرك منه اسماً بمعنى المفعول والساكن مصدر ، أو قد يكونان مصدرين لكن المتحرك أولى بأن يكون في معنى المفعول لكن هنا الأولى أن يكونا مصدرين فأقيم كل واحد منهما مقام المفعولين ، ألا ترى أنه قال { كَانَتَا رَتْقاً } فلو جعلت أحدهما اسماً لوجب أن تثنيه فلما قال { رَتْقاً } كان في الوجهين كرجل عدل ورجلين عدل وقوم عدل انتهى . .
{ وَجَعَلْنَا } إن تعدت لواحد كانت بمعنى { وَخَلَقْنَا * مِنَ الْمَاء } كل حيوان أي مادته النطفة قاله قطرب وجماعة أو لما كان قوامه الماء المشروب وكان محتاجاً إليه لا يصبر عنه جعل مخلوقاً منه كقوله { خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } قاله الكلبي وغيره ، وتكون الحياة على هذا حقيقة ويكون كل شيء عاماً مخصوصاً إذ خرج منه الملائكة والجن وليسوا مخلوقين من نطفة ولا محتاجين للماء . .
وقال قتادة : أي خلقنا كل نام من الماء فيدخل فيه النبات والمعدن ، وتكون الحياة فيهما مجازاً أو عبر بالحياة عن القدر المشترك بينهما وبين الحيوان وهو النموّ ويكون أيضاً على هذا عاماً مخصوصاً ، وإن تعدّت { جَعَلْنَا } لاثنين فالمعنى صيرنا { كُلَّ شَىْء حَىّ } بسبب من الماء لا بد له منه . وقرأ الجمهور { حَىّ } بالخفض صفة لشيء . وقرأ حميد حياً بالنصب مفعولاً ثانياً لجعلنا ، والجار والمجرور لغو أي ليس مفعولاً ثانياً { لَّجَعَلْنَا } { أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } استفهام إنكار وفيه معنى التعجب من ضعف عقولهم ، والمعنى أفلا يتدبرون هذه الأدلة ويعملوا بمقتضاها ويتركوا طريقة الشرك ، وأطلق الإيمان على سببه وقد انتظمت هذه الآية دليلين من دلائل التوحيد وهي من الأدلة السماوية والأرضية . .
ثم ذكر دليلاً آخر من الدلائل الأرضية فقال : { وَجَعَلْنَا فِى الاْرْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } وتقدم شرح نظير هذه الجملة في سورة النحل { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } وهذا دليل رابع من الدلائل الأرضية ، والظاهر أن الضمير في { فِيهَا } عائد على الأرض . وقيل يعود على الرواسي ، وجاء هنا تقديم { فِجَاجاً } على قوله { سُبُلاً } وفي سورة نوح { لّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } . فقال الزمخشري : وهي يعني { فِجَاجاً } صفة ولكن جعلت حالاً كقوله : .
لمية موحشاً ظلل .
يعني أنها حال من سبل وهي نكرة ، فلو تأخر { فِجَاجاً } لكان صفة كما في تلك الآية ولكن تقدم فانتصب على الحمال قال : فإن قلت : ما الفرق بينهما من جهة المعنى ؟ قلت : وجهان أحدهما إعلام بأنه جعل فيها طرقاً واسعة ، والثاني بأنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثمة انتهى . يعني بالإبهام أن الوصف لا يلزم أن يكون الموصوف متصفاً به حالة الإخبار عنه ، وإن كان الأكثر قيامه به حالة الإخبار عنه ، ألا ترى أنه يقال : مررت بوحشي القاتل حمزة ، فحالة المرور لم يكن قائماً به قتل حمزة ، وأما الحال فهي هيئة ما تخبر عنه حالة لإخبار { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } في مسالكهم وتصكرفهم . وما رفع وسمك على شيء فهو سقف . قال قتادة : حفظ من البلي والتغير على طول الدهر . وقيل : حفظ من السقوط لإمساكه من غير علاقة ولا عماد . وقيل : حفظ من الشرك والمعاصي . وقال الفراء : حفظ من الشياطين