@ 247 @ .
ولما حذر تعالى من الطغيان فيما رزق وحذر من حلول غضبه فتح باب الرجاء للتائبين وأتى بصيغة المبالغة وهي قوله { وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ } قال ابن عباس من الشرك { وَامَنَ } أي وحد الله { وَعَمِلَ صَالِحَاً } أدى الفرائض { ثُمَّ اهْتَدَى } لزم الهداية وأدامها إلى الموافاة على الإسلام . وقيل : معناه لم يشك في إيمانه . وقيل : ثم استقام . قال ابن عطية : والذي تقوى في معنى { ثُمَّ اهْتَدَى } أن يكون ثم حفظ معتقداته من أن يخالف الحق في شيء من الأشياء ، فإن الاهتداء على هذا الوجه غير الإيمان وغير العمل . وقال الزمخشري : الاهتداء هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح ، ونحوه : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ } وكلمة التراخي دلت على تباين المنزلتين دلالتها على تباين الوقتين في جاءني زيد ثم عمر ، وأعني أن منزلة الاستقامة على الخبر مباينة لمنزلة الخبر نفسه لأنها أعلى منه وأفضل . .
{ وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يامُوسَى * مُوسَى * قَالَ هُمْ أُوْلاء عَلَى أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ * فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ ياقَوْمِ * قَوْمٌ * أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى * قَالُواْ } . .
لما نهض موسى عليه السلام ببني إسرائيل إلى جانب الطور الأيمن حيث كان الموعد أن يكلم الله موسى بما فيه شرف العاجل والآجل ، رأى على وجه الاجتهاد أن يقدم وحده مبادراً إلى أمر الله وحرصاً على القرب منه وشوقاً إلى مناجاته ، واستخلف هارون على بني إسرائيل وقال لهم موسى : تسيرون إلى جانب الطور فلما انتهى موسى عليه السلام وناجى ربه ، زاده في الأجل عشراً وحينئذ وقفه على استعجاله دون القوم ليخبره موسى أنهم على الأثر فيقع الإعلام له بما صنعوا { وَمَا } استفهام أي أي شيء عجل بك عنهم . قال الزمخشري : وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب ثم تقدمهم شوقاً إلى كلام ربه وينجز ما وعد به بناء على اجتهاده ، وظن أن ذلك أقرب إلى رضا الله ، وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظراً إلى دواعي الحكمة وعلماً بالمصالح المتعلقة بكل وقت ، فالمراد بالقوم النقباء انتهى . .
والظاهر أن قوله عز وجل { عَن قَومِكَ } يريد به جميع بني إسرائيل كما قد بيّنا قبل لا السبعين . وقال الزمخشري : وليس يقول من جوز أن يراد جميع قومه وأن يكون قد فارقهم قبل الميعاد وجه صحيح ما يأباه قوله { هُمْ أُوْلاء عَلَى أَثَرِى } انتهى . { وَمَا أَعْجَلَكَ } سؤال عن سبب العجلة وأجاب بقوله { هُمْ أُوْلاء عَلَى أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَى } لأن قوله { وَمَا أَعْجَلَكَ } تضمن تأخر قومه عنه ، فأجاب مشيراً إليهم لقربهم منه إنهم على أثره جائين