@ 246 @ عطية : { مَا غَشِيَهُمْ } إبهام أهول من النص على قدر ما ، وهو كقوله { إِذْ يَغْشَى السّدْرَةَ مَا يَغْشَى } والظاهر أن الضمير في { غَشِيَهُمْ } في الموضعين عائد على فرعون وقومه ، وقيل الأول على فرعون وقومه ، والثاني على موسى وقومه : وفي الكلام حذف على هذا القول تقديره فنجا موسى وقومه ، وغرّق فرعون وقومه . وقال الزجاج : وقرىء وجنوده عطفاً على فرعون . .
{ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ } أي من أول مرة إلى هذه النهاية ويعني الضلال في الدين . وقيل : أضلهم في البحر لأنهم غرقوا فيه ، واحتج به القاضي على مذهبه فقال : لو كان الضلال من خلق الله لما جاز أن يقال : { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ } بل وجب أن يقال : الله أضلهم لأن الله تعالى ذمه بذلك فكيف يكون خالقاً للكفر لأن من ذم غيره بفعل شيء لا بد أن يكون المذموم فاعلاً لذلك الفعل وإلاّ استحق الذام الذم انتهى . وهو على طريقة الاعتزال { وَمَا هَدَى } أي ما هداهم إلى الدين ، أو ما نجا من الغرق ، أو ما هتدى في نفسه لأن { هُدًى } قد يأتي بمعنى اهتدى . .
{ هَدَى يابَنِى إِسْراءيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مّنْ عَدُوّكُمْ } ذكرهم تعالى بأنواع نعمه وبدأ بإزالة ما كانوا فيه من الضرر من الإذلال والخراج والذبح وهي آكد أن تكون مقدمة على المنفعة الدنيوية لأن إزالة الضرر أعظم في النعمة من إيصال تلك المنفعة ، ثم أعقب ذلك بذكر المنفعة الدينية وهو قوله { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الاْيْمَنَ } إذ أنزل على نبيهم موسى كتاباً فيه بيان دينهم وشرح شريعتهم ، ثم يذكر المنفعة الدنيوية وهو قوله { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى } والظاهر أن الخطاب لمن نجامع موسى بعد إغراق فرعون . وقيل : لمعاصري الرسول صلى الله عليه وسلم ) اعتراضاً في أثناء قصة موسى توبيخاً لهم إذ لم يصبر سلفهم على أداء شكر نعم الله فهو على حذف مضاف ، أي أنجينا آباءكم من تعذيب آل فرعون . وخاطب الجميع بواعدناكم وإن كان الموعودون هم السبعين الذين اختارهم موسى عليه السلام لسماع كلام الله ، لأن سماع أولئك السبعين تعود منفعته على جميعهم إذ تطمئن قلوبهم وتسكن وتقدم الكلام في { جَانِبِ الطُّورِ الاْيْمَنِ } في سورة مريم ، وعلى { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى } في سورة البقرة . وقرأ حمزة والكسائي وطلحة : قد أنجيتكم وواعدتكم ما رزقتكم بتاء الضمير ، وباقي السبعة بنون العظمة وحميد نجَّيناكم بتشديد الجيم من غير ألف قبلها وبنون العظمة وتقدم خلاف أبي عمرو وفي واعد في البقرة . .
والطيبات هنا الحلال اللذيذ لأنه جمع الوصفين . وقرىء { الاْيْمَانَ } قال الزمخشري بالجر على الجوار نحو جحر ضب خرب انتهى . وهذا من الشذوذ والقلة بحيث ينبغي أن لا تخرّج القراءة عليه ، والصحيح أنه نعت للطور لما فيه من اليمن وأما لكونه على يمين من يستقبل الجبل ، ونهاهم عن الطغيان فيما رزقهم وهو أن يتعدوا حدود الله فيها بأن يكفروها ويشغلهم اللهو والنعم عن القيام بشكرها ، وأن ينفقوها في المعاصي ويمنعوا الحقوق الواجبة عليهم فيها . .
وقرأ زيد بن علي ولا تَطْغُوا فيه بضم الغين . . وعن ابن عباس { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } لا يظلم بعضكم بعضاً فيأخذه من صاحبه يعني بغير حق . وعن الضحاك ومقاتل : لا تجاوزوا حدَّ الإباحة . وعن الكلبي : لا تكفروا النعمة أي لا تستعينوا بنعمتي على مخالفتي . وقرأ الجمهور { فَيَحِلَّ } بكسر الحاء { وَمَن يَحْلِلْ } بكسر اللام أي فيجب ويلحق . وقرأ الكسائي بضم الحاء ولام يحلُل أي ينزل وهي قراءة قتادة وأبي حيوة والأعمش وطلحة ووافق ابن عتيبة في يحلل فضم ، وفي الإقناع لأبي علي الأهوازي ما نصه ابن غزوان عن طلحة لا يحلن عليكم { غَضَبِى } بلام ونون مشددة وفتح اللام وكسر الحاء أي : لا تتعرضوا للطغيان فيه فيحل عليكم غضبي من باب لا أرينك هنا وفي كتاب اللوامح قتادة وعبد الله بن مسلم بن يسار وابن وثاب والأعمش فَيُحَّلُ بضم الياء وكسر الحاء من الإحلال فهو متعد من حل بنفسه ، والفاعل فيه مقدر ترك لشهرته وتقديره فيحل به طغيانكم { غَضَبِى } عليكم ودل على ذلك { وَلاَ تَطْغَوْاْ } فيصير { غَضَبِى } في موضع نصب مفعول به . وقد يجوز أن يسند الفعل إلى { غَضَبِى } فيصير في موضع رفع بفعله ، وقد حذف منه المفعول للدليل عليه وهو العذاب أو نحوه انتهى . { فَقَدْ هَوَى } كنى به عن الهلاك ، وأصله أن يسقط من جبل فيهلك يقال هوى الرجل أي سقط ، ويشبه الذي يقع في ورطة بعد أن بنجوة منها بالساقط ، أو { هَوَى } في جهنم وفي سخط الله وغضب الله عقوباته ، ولذلك وصف بالنزول .