@ 235 @ من رأى البصرية ، ولذلك تعدت إلى اثنين بهمزة النقل و { ءايَاتِنَا } ليس عاماً إذ لم يره تعالى جميع الآيات ، وإنما المعنى آياتنا التي رآها ، فكانت الإضافة تفيد ما تفيده الألف واللام من العهد . وإنما رأى العصا واليد والطمسة وغير ذلك مما رآه فجاء التوكيد بالنسبة لهذه الآيات المعهودة . وقيل : المعنى آيات بكمالها وأضاف الآيات إليه على حسب التشريف كأنه قال آيات لنا . وقيل : يكون موسى قد أراه آياته وعدد عليه ما أوتي غيره من الأنبياء من آياتهم ومعجزاتهم ، وهو نبي صادق لا فرق بين ما يخبر عنه وبين ما يشاهد به { فَكَذَّبَ * بِهَا } جميعاً { وَأَبَى } أن يقبل شيئاً منها انتهى . وقاله الزمخشري وفيه بعد لأن الإخبار بالشيء لا يسمى رؤية إلا بمجاز بعيد . .
وقيل : { أَرَيْنَاهُ } هنا من رؤية القلب لا من رؤية العين ، لأنه ما كان أراه في ذلك الوقت إلا العصا واليد البيضاء أي ولقد أعلمنا { كُلَّهَا فَكَذَّبَ } هي الآيات التسع . قيل : ويجوز أن يكون أراد بالآيات آيات توحيده التي أظهرها لنا في ملكوت السموات والأرض فيكون من رؤية العين . وقال ابن عطية وأُبيّ : يقتضي كسب فرعون وهذا الذي يتعلق به الثواب والعقاب ، ومتعلق التكذيب محذوف فالظاهر أنه الآيات واحتمل أن يكون التقدير { فَكَذَّبَ } موسى { وَأَبَى } أن يقبل ما ألقاه إليه من رسالته . .
قيل : ويجوز أن يكون أراد وكذب أنها من آيات الله وقال : من سحر ، ولهذا { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يامُوسَى * مُوسَى } ويبعد هذا القول قوله { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * بَصَائِرَ } وقوله { وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } فيظهر أنه كذب لظلمه لا أنه التبس عليه أنها آيات سحر . وفي قوله { أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا } وهن ظهر منه كثير واضطراب لما جاء به موسى إذ علم أنه على الحق وأنه غالبه على ملكه لا محالة ، وذكر علة المجيء وهي إخراجهم وألقاها في مسامع قومه ليصيروا مبغضين له جداً إذ الإخراج من الموطن مما يشق وجعله الله مساوياً للقتل في قوله { أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ } وقوله { بِسِحْرِكَ } تعلل وتحير لأنه لا يخفى عليه أن ساحراً لا يقدر أن يخرج ملك مثله من أرضه ويغلبه على ملكه بالسحر ، وأورد ذلك على سبيل الشبهة الطاعنة في النبوة ، وأن المعجز إنما يتميز عن السحر بكون المعجز مما تتعذر معارضته فقال { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مّثْلِهِ } ويدل على أن أمر موسى عليه السلام كان قد قَوِيَ وكثر منعته من بني إسرائيل ووقع أمره في نفوس الناس ، إذ هي مقالة من يحتاج إلى الحجة لا من يصدع بأمر نفسه ، وأرضهم هي أرض مصر وخاطبه بقوله { بِسِحْرِكَ } لأن الكلام كان معه والعصا واليد إنما ظهرنا من قبله { فَلَنَأْتِيَنَّكَ } جواب لقسم محذوف ، أوهم الناس أن ما جاء به موسى إنما هو من باب السحر وأن عنده من يقاومه في ذلك ، فطلب ضرب موعد للمناظرة بالسحر . والظاهر أن { مَّوْعِدًا } هنا هو زمان أي فعين لنا وقت اجتماع ولذلك أجاب بقوله { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ } ومعنى { لاَّ نُخْلِفُهُ } أي لا نخلف ذلك الوقت في الاجتماع فيه وقدره بعضهم مكاناً معلوماً وينبوعه قوله { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ } . .
وقال القشيري : الأظهر أنه مصدر ولذلك قال { لاَّ نُخْلِفُهُ } أي ذلك الموعد والإخلاف أن يعد شيئاً ولا ينجزه . وقال الزمخشري : إن جعلته زماناً نظراً في قوله { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ } مطابق له لزمك شيئان أن نجعل الزمان مخلفاً وأن يعضل عليك ناصب { مَكَاناً } وإن جعلته مكاناً لقوله { مَكَاناً } لزمك أيضاً أن يقع الإخلاف على المكان وأن لا يطابق قوله { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ } وقراءة الحسن غير مطابقة له { مَكَاناً } جميعاً لأنه قرأ { يَوْمُ الزّينَةِ } بالنصب فبقي أن يجعل مصدراً بمعنى الوعد ، ويقدر مضاف محذوف أي مكان موعد . ويجعل الضمير في { نُخْلِفُهُ } و { مَكَاناً } بدل من المكان المحذوف . فإن قلت : كيف طابقته قوله { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ } ولا بد من أن تجعله زماناً والسؤال واقع عن المكان لا عن الزمان ؟ قلت : هو مطابق معنى وإن لم يطابق لفظاً لأنه لا بد لهم