@ 234 @ْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى * فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى } . .
ولما ذكر موسى دلالته على ربوبية الله تعالى وثم كلامه عند قوله { وَلاَ يَنسَى } ذكر تعالى ما نبه به على قدرته تعالى ووحدانيته ، فأخبر عن نفسه بأنه تعالى هو الذي صنع كيت وكيت ، وإنما ذهبنا إلى أن هذا هو من كلام الله تعالى لقوله تعالى { فَأَخْرَجْنَا } وقوله { كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } وقوله { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ } فيكون قوله { فَأَخْرَجْنَا } و { أَرَيْنَاهُ } التفاتاً من الضمير الغائب في { * أعل } وسلك إلى ضمير المتكلم لمعظم نفسه ، ولا يكون الالتفات من قائلين وأبعد من ذهب إلى أن الذي نعت لقوله { إِنَّهُ رَبّى } فيكون في موضع رفع أو يكون في موضع نصب على المدح وقالهما الحوفي والزمخشري لكونه كان يكون كلام موسى فلا يتأتى الالتفات في قوله { فَأَخْرَجْنَا } { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ } . .
وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون { فَأَخْرَجْنَا } من كلام موسى حكاية عن الله تعالى على تقدير يقول عز وجل { فَأَخْرَجْنَا } ويحتمل أن يكون كلام موسى تم عند قوله { وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء } ثم وصل الله كلام موسى بإخباره لمحمد صلى الله عليه وسلم ) والمراد بالخطاب في لكم الخلق أجمع نبههم على هذه الآيات . وقرأ الأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وعاصم وحمزة والكسائي { مِهَاداً } بفتح الميم وإسكان الهاء ، وباقي السبعة مهاداً وكذا في الزخرف فقال المفضل : مصدران مهد مهداً ومهاداً . وقال أبو عبيد : مهاد اسم ، ومهد الفعل يعني المصدر . وقال آخر { مِهَاداً } مفرد ومهاد جمعه ، ومعنى ذلك أنه تعالى جعلها لهم يتصرفون عليها في جميع أحوالهم ومنافعهم ، ونهج لكم فيها طرقاً لمقاصدكم حتى لا تتعذر عليكم مصالحكم . والضمير في { بِهِ } عائد على الماء أي بسببه . .
{ أَزْواجاً } أي أصنافاً وهذا الالتفات في أخرجنا كهو في قوله { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا } { أَمَّنْ خَلَقَ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا } { وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَىْء } وفي هذا الالتفات تخصيص أيضاً بأنا نحن نقدر على مثل هذا ، ولا يدخل تحت قدرة أحد والأجود أن يكون { شَتَّى } في موضع نصب نعتاً لقوله { أَزْواجاً } لأنها المحدث عنها . .
وقال الزمخشري : يجوز أن يكون صفة للنبات ، والنبات مصدر سُمِّيَ به النابت كما سُمِّيَ بالنبت فاستوى فيه الواحد والجمع ، يعني أنها { شَتَّى } مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل ، بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم . .
قالوا : من نعمته عز وجل أن أرزاق العباد إنما تحصل بعمل الأنعام وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجتهم ولا يقدرون على أكله { كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } أمر إباحة معمول لحال محذوفة أي { فَأَخْرَجْنَا } قائلين أي آذنين في الانتفاع بها ، مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها ، عُدِيّ هنا { وَارْعَوْا } ورعى يكون لازماً ومتعدياً تقول : رعت الدابة رعياً ، ورعاها صاحبها رعاية إذا سامها وسرحها وأراحها قاله الزجاج . وأشار بقوله { إِنَّ فِى ذَلِكَ } للآيات السابقة من جعل الأرض مهداً وسلك سبلها وإنزال الماء وإخراج النبات . وقالوا { النُّهَى } جمع نهية وهو العقل سُمِّيَ بذلك لأنه ينهى عن القبائح ، وأجاز أبو علي أن يكون مصدراً كالهدي . والضمير في { مِنْهَا } يعود على الأرض ، وأراد خلق أصلهم آدم . وقيل : ينطلق الملك إلى تربة المكان الذي يدفن فيه من يخلق فيبددها على النطفة فيخلق من التراب والنطفة معاً قاله عطاء الخراساني . وقيل : من الأغذية التي تتولد من الأرض فيكون ذلك تنبيهاً على ما تولدت منها الأخلاط المتولد منها الإنسان فهو من باب مجاز المجاز { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } أي بالدفن بها أو بالتمزيق عليها { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً } بالبعث { تَارَةً } مرة { أُخْرَى } يؤلف أجزاءهم المتفرقة ويردّهم كما كانوا أحياء . وقوله { أُخْرَى } أي إخراجة أخرى لأن معنى قوله { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } أخرجناكم . .
{ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءايَاتِنَا كُلَّهَا } هذا إخبار من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ) ، وهذا يدل على أن قوله { فَأَخْرَجْنَا } إنما هو خطاب له عليه السلام { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ } هي المنقولة