@ 84 @ وشتان ما بين الظنين ظن فرعون ظن باطل ، وظن موسى ظن صدق ، ولذلك آل أمر فوعون إلى الهلاك كان أولاً موسى عليه السلام يتوقع من فرعون أذى كما قال { إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى } فأمر أن يقول له قولاً ليناً فلما قال له الله : لا تخف وثق بحماية الله ، فصال على فرعون صولة المحمي . وقابله من الكلام بما لم يكن ليقابله به قبل ذلك . ومثبور مهلك في قول الحسن ومجاهد ، وملعون في قول ابن عباس ، وناقص العقل فيما روى ميمون بن مهران ، ومسحور في قول الضحاك قال : رد عليه مثل ما قال له فرعون ما ختلاف اللفظ ، وعن الفراء مثبور مصروف عن الخير مطبوع على قلبك من قولهم : ما ثبرك عن هذا ؟ أي ما منعك وصرفك . وقرأ أبيّ وإن أخالك يا فرعون لمثبوراً وهي أن الخفيفة ، واللام الفارقة واستفزازه إياهم هو استخفافه لموسى ولقومه بأن يقلعهم من أرض مصر بقتل أو جلاء ، فحاق به مكره وأغرقه الله وقبطه أراد أن تخلو أرض مصر منهم فأخلاها الله منه . ومن قومه والضمير في { مِن بَعْدِهِ } عائد على فرعون أي من بعد إغراقه ، و { الاْرْضِ } المأمور بسكناها أرض الشام ، والظاهر أن يكون الأمر بذلك حقيقة على لسان موسى عليه السلام ووعد الآخرة قيام الساعة . .
{ وَبِالْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً * قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ } . .
وبالحق أنزلناه } هو مردود على قوله { * } هو مردود على قوله { لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ } الآية وهكذا طريقة كلام العرب وأسلوبها تأخذ في شيء وتستطرد منه إلى شيء آخر ثم إلى آخر ثم تعود إلى ما ذكرته أولاً ، وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في { أَنزَلْنَاهُ } عائد على موسى عليه السلام وجعل منزلاً كما قال { وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ } أو عائد على الآيات التسع ، وذكر على المعنى أو عائد على الوعد المذكور قبله . وقال أبو سليمان الدمشقي { وَبِالْحَقّ } أي بالتوحيد ، { أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقّ نَزَلَ } أي بالوعد والوعيد والأمر والنهي . وقال الزهراوي : بالواجب الذي هو المصلحة والسداد للناس ، { وَبِالْحَقّ نَزَلَ } أي بالحق في أوامره ونواهيه وأخباره . وقال الزمخشري : وما أنزلنا القرآن إلاّ بالحكمة المقتضية لإنزاله وما نزل إلاّ ملتبساً بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية إلى كل خير ، وما أنزلناه من السماء إلاّ بالحق محفوظاً بالرصد من الملائكة ، وما نزل على الرسول إلاّ محفوظاً بهم من تخليط الشياطين انتهى . وقد يكون { وَبِالْحَقّ نَزَلَ } توكيداً من حيث المعنى لما كان يقال أنزلته فنزل ، وأنزلته فلم ينزل إذا عرض له مانع من نزوله وجاء ، { وَبِالْحَقّ نَزَلَ } مزيلاً لهذا الاحتمال ومؤكداً حقيقة ، { وَبِالْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ } وإلى معنى التأكيد نحا الطبري . وانتصب { مُبَشّرًا وَنَذِيرًا } على الحال أي { مُبَشّرًا } لهم بالجنة ومنذراً من النار ليس لك شيء من إكراههم على الدين . .
وقرأ الجمهور : { فَرَقْنَاهُ } بتخفيف الراء أي بيَّنا حلاله وحرامه قاله ابن عباس ، وعن الحسن فرقنا فيه بين الحق والباطل . وقال الفراء : أحكمناه وفصلناه كقوله { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } . وقرأ أبيّ وعبد الله وعليّ وابن عباس وأبو رجاء وقتادة والشعبي وحميد وعمرو بن قائد وزيد بن عليّ وعمرو بن ذر وعكرمة والحسن بخلاف عنه بشد الراء أي { أَنزَلْنَاهُ } نجماً بعد نجم . وفصلناه في النجوم . وقال بعض من اختار ذلك : لم ينزل في يوم ولا يومين ولا شهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين . قال ابن عباس : كان بين أوله وآخره عشرون سنة ، هكذا قال الزمخشري عن ابن عباس . وحكي عن ابن عباس في ثلاث وعشرين سنة . وقيل : في خمس وعشرين ، وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في سنه عليه السلام ، وعن الحسن نزل في ثمانية عشر سنة . قال ابن عطية : وهذا قول مختل لا يصح عن الحسن . .
وقيل معنى : { فَرَقْنَاهُ } بالتشديد فرقنا آياته بين أمر ونهي ، وحكم وأحكام ، ومواعظ وأمثال ، وقصص وأخبار مغيبات أتت وتأتي . وانتصب { قُرْءاناً } على إضمار فعل يفسره { فَرَقْنَاهُ } أي وفرقنا { قُرْءاناً * فَرَقْنَاهُ } فهو من باب الاشتغال وحسن النصب ، ورجحه على الرفع كونه عطفاً على جملة فعلية وهي قوله { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ } . ولا بد من تقدير صفة لقوله { وَقُرْءانًا } حتى يصح كونه كان يجوز فيه الابتداء لأنه نكرة لا مسوغ لها في الظاهر للابتداء بها ، والتقدير { وَقُرْءانًا } أي قرآن أي عظيماً جليلاً ، وعلى أنه منصوب بإضمار فعل بفسره الظاهر بعده خرّجه الحوفي