@ 83 @ تظافرت كان ذلك أقوى وأثبت كقول إبراهيم عليه السلام { وَلَاكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } انتهى . وهذا القول هو الأول وهو ما أعلمه به من غيب القصة . ولما كان متعلق السؤال محذوفاً احتمل هذه التقديرات ، والظاهر أن الأمر بالسؤال لبني إسرائيل هو حقيقة . وقال ابن عطية ما معناه : يحتمل أن يكون السؤال عبارة عن تطلب أخبارهم والنظر في أحوالهم وما في كتبهم . نحو قوله { وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا } جعل النظر والتطلب معبراً عنه بالسؤال ، ولذلك قال الحسن : سؤالك إياهم نظرك في القرآن ، والظاهر أن { إِذْ } معمولة لآتينا أي { ءاتَيْنَا } حين جاء أتاهم . .
وقال الزمخشري : فإن قلت : بم نعلق { إِذْ جَاءهُمُ } ؟ قلت : أما على الوجه الأول فبالقول المحذوف أي فقلنا له سلهم حين جاءهم ، وأما على الآخر فبآتينا أو بإضمار اذكر أويخبرونك انتهى . ولا يتأتى تعلقه باذكر ولا بيخبرونك لأنه ظرف ماض . وقراءة فسأل مروية عن ابن عباس . قال ابن عباس : كلام محذوف وتقديره فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أي طلبهم لينجيهم من العذاب انتهى . وعلى قراءة فسل يكون التقدير فقلنا له سل { بَنِى إِسْراءيلَ } أي سل فرعون إطلاق بني إسرائيل . وقال أبو عبد الله الرازي : فسل { بَنِى إِسْراءيلَ } اعتراض في الكلام والتقدير ، { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءايَاتٍ بَيّنَاتٍ } إذ جاء { بَنِى إِسْراءيلَ } فسلهم وليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم ، بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود صدق ما ذكره الرسول عليه السلام ، فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد انتهى . وعلى قراءة فسأل ماضياً وقدره فسأل فرعون { بَنِى إِسْراءيلَ } يكون المفعول الأول السأل محذوفاً ، والثاني هو { بَنِى إِسْراءيلَ } وجاز أن يكون من الأعمال لأنه توارد على فرعون سأل وفقال فأعمل ، الثاني على ما هو أرجح . .
والظاهر أن قوله { مَّسْحُورًا } اسم مفعول أي قد سحرت بكلامك هذا مختل وما يأتي به غير مستقيم وهذا خطاب بنقيض . وقال الفراء والطبري : مفعول بمعنى فاعل أي ساحراً ، فهذه العجائب التي يأتي بها من أمر السحر ، وقالوا : مفعول بمعنى فاعل مشؤوم وميمون وإنما هو شائم ويامن . وقرأ الجمهور : { لَقَدْ عَلِمْتَ } بفتح التاء على خطاب موسى لفرعون وتبكيته في قوله عنه أنه مسحور أي لقد علمت أن ما جئت به ليس من باب السحر ، ولا أني خدعت في عقلي ، بل علمت أنه ما أنزلها إلاّ الله ، وما أحسن ما جاء به من إسناد إنزالها إلى لفظ { رَبّ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } إذ هو لما سأله فرعون في أول محاورته فقال له : وما رب العالمين قال : { رَبّ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } ينبهه على نقصه وأنه لا تصرّف له في الوجود فدعواه الربوبية دعوى استحالة ، فبكته وأعلمه أنه يعلم آيات الله ومن أنزلها ولكنه مكابه معاند كقوله { وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } وخاطبه بذلك على سبيل التوبيخ أي أنت بحال من يعلم هذا وهي من الوضوح بحيث تعلمها وليس خطابه على جهة إخباره عن علمه . وقرأ عليّ بن أبي طالب وزيد بن عليّ والكسائي { عَلِمَتِ } بضم التاء أخبر موسى عن نفسه أنه ليس بمسحور كما وصفه فرعون ، بل هو يعلم أن { مَا أَنزَلَ هَؤُلاء } الآيات إلاّ الله . .
وروي عن عليّ أنه قال : ما علم عدوّ الله قط وإنما علم موسى ، وهذا القول عن عليّ لا يصح لأنه رواه كلثوم المرادي وهو مجهول ، وكيف يصح هذا القول وقراءة الجماعة بالفتح على خطاب فرعون . .
و { أَنزَلَ اللَّهُ } جملة في موضع نصب علق عنها { عَلِمَتِ } . ومعنى { بَصَائِرَ } دلالات على وحدانية الله وصدق رسوله والإشارة بهؤلاء إلى الآيات التسع . وانتصب { بَصَائِرَ } على الحال في قول ابن عطية والحوفي وأبي البقاء ، وقالا : حال من { هَؤُلاء } وهذا لا يصح إلاّ على مذهب الكسائي والأخفش لأنهما يجيزان ما ضرب هنداً هذا إلاّ زيد ضاحكة . ومذهب الجمهور أنه لا يجوز فإن ورد ما ظاهره ذلك أول على إضمار فعل يدل عليه ما قبله التقدير ضربها ضاحكة ، وكذلك يقدرون هنا أنزلها { بَصَائِرَ } وعند هؤلاء لا يعمل ما قبل إلاّ فيما بعدها إلاّ أن يكون مستثنى منه أو تابعاً له . .
وقابل موسى ظنه بظن فرعون فقال : { وَإِنّى لاظُنُّكَ يافِرْعَونُ * فِرْعَوْنُ * مَثْبُورًا }