@ 62 @ { لآَّتَّخَذُوكَ } جواباً له ، والتقدير والله { إِذَا } أي إن افتتنت وافتريت { لآَّتَّخَذُوكَ } ولا اتخذوك فى معنى ليتخذونك كقوله { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ } أي ليظلنّ لأن { إِذَا } تقتضي الاستقبال لأنها من حيث المعنى جزاء فيقدر موضعها بأداة الشرط . .
وقال الزمخشري : { وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ } أي ولو اتبعت مرادهم { لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } ولكنت لهم ولياً ، ولخرجت من ولايتي انتهى . وهو تفسير معنى لا إن { لآَّتَّخَذُوكَ } جواب لو محذوفة . قال الزمخشري : { وَلَوْ * لاَ انفِصَامَ * ثَبَّتْنَاكَ } ولولا تثبيتناً لك وعصمتنا لقد كدت تركن إليهم لقاربت أن تميل إلى خدعهم ومكرهم ، وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت ، وفي ذلك لطف للمؤمنين إذن لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة { إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَواةِ وَضِعْفَ } أي { لأَذَقْنَاكَ } عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين . فإن قلت : كيف حقيقة هذا الكلام ؟ قلت : أصله { لأَذَقْنَاكَ } عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان ، عذاب في الممات وهو عذاب القبر ، وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار ، والضعف يوصف به نحو قوله تعالى : { قَالَ ادْخُلُواْ فِى أُمَمٍ قَدْ } يعني مضاعفاً ، فكان أصل الكلام { لأَذَقْنَاكَ } عذاباً ضعفاً في الحياة ، وعذاباً ضعفاً في الممات ، ثم حذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه وهو الضعف ، ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف ، فقيل { ضِعْفَ الْحَيَواةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ } كما قيل { لأَذَقْنَاكَ } أليم الحياة وأليم الممات ، ويجوز أن يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا ، وبضعف الممات ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار والمعنى لضاعفنا لك العذاب المعجل للعصاة في الحياة الدنيا . وما نؤخره لما بعد الموت انتهى . .
وجواب { لَوْ * لا } يقتضي إذا كان مثبتاً امتناعه لوجود ما قبله ، فمقاربة الركون لم تقع منه فضلاً عن الركون والمانع من ذلك هو وجود تثبيت الله . وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق وابن مصرف : { تَرْكَنُ } بضم الكاف مضارع ركن بفتحها وانتصب { شَيْئاً } على المصدر . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : يريد ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات على معنى أن ما يستحقه من أذنب من عقوبتنا في الدنيا والآخرة كنا نضعفه . وذهب ابن الأنباري إلى أن المعنى لقد كاد أن يخبروا عنك أنك ركنت إلى قولهم بسبب فعلهم إليه مجازاً واتساعاً كما تقول للرّجل : كدت تقتل نفسك أي كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت . .
وقال ابن عباس : كان الرسول صلى الله عليه وسلم ) معصوماً ، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله تعالى وشرائعه انتهى . واللام في { لأَذَقْنَاكَ } جواب قسم محذوف قبل { إِذَا } أي والله إن حصل ركون ليكونن كذا ، والقول في { لأَذَقْنَاكَ } كالقول في { لآَّتَّخَذُوكَ } من وقوع الماضي موضع المضارع الداخل عليه اللام والنون ، وممن نص على أن اللام في { لآَّتَّخَذُوكَ } و { لأَذَقْنَاكَ } هي لام القسم الحوفي . وقال الزمخشري : وفي ذكر الكيدودة وتعليلها مع اتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل بيِّن على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته انتهى . ومن ذلك { عَظِيماً يانِسَاء النَّبِىّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ } الآية . قال الزمخشري : وفيه أدنى مداهنة للغواة مضادة لله وخروج عن ولايته ، وسبب موجب لغضبه ونكاله انتهى . .
وروي أنه لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) . قال حضرمي : الضمير في { وَإِن كَادُواْ } ليهود المدينة وناحيتها كحيي بن أخطب وغيره ، وذلك أنهم ذهبوا إلى المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء ، وإنما أرض الأنبياء الشام ، ولكنك تخاف الروم فإن كنت نبياً فاخرج إليها فإن الله سيحميك كما حمى غيرك من الأنبياء فنزلت ، وأخبر تعالى أنه لو خرج لم يلبثهم بعد { إِلاَّ قَلِيلاً } . وحكى النقاش أنه خرج بسبب قولهم وعسكر بذي الحليفة وأقام ينتظر أصحابه فنزلت ورجع . قال ابن عطية : وهذا ضعيف لم يقع في سيرة ولا في كتاب يعتمد عليه ، وذو الحليفة ليس في طريق الشام من المدينة انتهى . .
وقالت فرقة : الضمير لقريش قاله ابن عباس وقتادة ، واستفزازهم هو ما ذهبوا إليه من إخراجه من مكة كما ذهبوا إلى حصره في الشعب ، ووقع استفزازهم