@ 61 @ { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } . وقيل : من كان في الدنيا أعمى عن إبصار الحق والاعتبار فهو في الآخرة أعمى عن الاعتذار . .
وقال ابن عطية : والظاهر عندي أن الإشارة بهذه إلى الدنيا { أَىَّ مُنقَلَبٍ * كَانَ } في دنياه { هَاذِهِ } وقت إدراكه وفهمه { أَعْمَى } عن النظر في آيات الله فهو في يوم القيامة أشدّ حيرة وعمى لأنه قد باشر الخيبة ورأى مخائل العذاب ، وبهذا التأويل تكون معادلة التي قبلها من ذكر من يؤتى كتابه بيمينه . وإذا جعلنا قوله { فِى الاْخِرَةِ } بمعنى في شأن الآخرة لم تطرد المعادلة الآيتين . وقال الزمخشري : والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة ، أما في الدنيا فلفقد النظر ، وأما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه وقد جوّزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل . ومن ثم قرأ أبو عمر والأول مما لا والثاني مفخماً لأن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلام كقوله { أَعْمَالَكُمْ } وأما الأول فلم يتعلق به شيء فكانت ألفه واقعة في الطرف معرضة للإمالة انتهى . وتعليله ترك إمالة أعمى الثاني أخذه الزمخشري من أبي عليّ قال أبو عليّ : لأن الإمالة إنما تحسن في الأواخر ، و { أَعْمَى } ليس كذلك لأن تقديره { أَعْمَى } من كذا فليس يتم إلا في قولنا من كذا فهو إذن ليس بآخر ، ويقوي هذا التأويل عطف { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } لأن الإنسان في الدنيا يمكن أن يؤمن فينجو وهو في الآخرة لا يمكنه ذلك فهو { أَضَلُّ سَبِيلاً } وأشدّ حيرة وأقرب إلى العذاب ، و { أَعْمَى } هنا من عمى القلب لا من عمى البصر لأن ذلك يقع فيه التفاضل لا هذا . .
{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْ * لاَ انفِصَامَ * ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَواةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا * وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الاْرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً * سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } . .
الضمير في { وَإِن كَادُواْ } قيل لقريش . وقيل لثقيف ، وذكروا أسباب نزول مختلفة وفي بعضها ما لا يصح نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، ويوقف على ذلك في تفسير ابن عطية والزمخشري والتحرير وغير ذلك ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما عدد نعمه على بني آدم ثم ذكر حالهم في الآخرة من إيتاء الكتاب باليمين لأهل السعادة ، ومن عمى أهل الشقاوة أتبع ذلك بما يهم به الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع والتلبيس على سيد أهل السعادة المقطوع له بالعصمة ، ومعنى { لَيَفْتِنُونَكَ } ليخدعونك وذلك في ظنهم لا أنهم قاربوا ذلك إذ هو معصوم عليه السلام أن يقاربوا فتنته عما أوحى الله إليه ، وتلك المقاربة في زعمهم سببها رجاؤهم أن يفتري على الله غير ما أوحى الله إليه من تبديل الوعد وعيداً أو الوعيد وعداً ، وما اقترحته ثقيف من أن يضيف إلى الله ما لم ينزل عليه و { ءانٍ } هذه هي المخففة من الثقيلة ، وليتها الجملة الفعلية وهي { كَادُواْ } لأنها من أفعال المقاربة وإنما تدخل على مذهب البصريين من الأفعال على النواسخ التي للإثبات على ما تقرر في علم النحو ، واللام في { لَيَفْتِنُونَكَ } هي الفارقة بين أن هذه وأن النافية { وَإِذَا } حرف جواب وجزاء ، ويقدر قسم هنا تكون