@ 39 @ من بني عبد الدار كانوا يؤذونه في الليل إذا صلى وجهر بالقراءة ، فحال الله بينهم وبين أذاه . .
ولما تقدّم الكلام في تقرير الإلهية جاء بعده تقرير النبوة وذكر شيء من أحوال الكفرة في إنكارها وإنكار المعاد ، والمعنى وإذا شرعت في القراءة وليس المعنى على الفراغ من القراءة بل المعنى على أنك إذا التبست بقراءة القرآن ولا يراد بالقرآن جميعه بل ما ينطلق عليه الاسم ، فإنك تقول لمن يقرأ شيئاً من القرآن هذا يقرأ القرآن ، والظاهر أن القرآن هنا هو ما قرىء من القرآن أي شيء كان منه . وقيل : ثلاث آيات منه معينة وهي في النحل { أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ * إِلَى * الْغَافِلُونَ } وفي الكهف { وَمَنْ أَظْلَمُ * إِلَى * إِذًا أَبَدًا } وفي الجاثية { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَاهَهُ هَوَاهُ * إِلَى * أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } وعن كعب أن الرسول كان يستتر بهذه الآيات ، وعن ابن سيرين أنه عينها له هاتف من جانب البيت ، وعن بعضهم أنه أسر زماناً ثم اهتدى قراءتها فخرج لا يبصره الكفار وهم يتطلبونه تمس ثيابهم ثيابه . قال القرطبي : ويزاد إلى هذه الآي أول يس إلى { فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ففي السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ) حين نام على فراشه خرج ينثر التراب على رؤوس الكفار فلا يرونه وهو يتلو هذه الآيات من يس ، ولم يبق أحد منهم إلاّ وضع على رأسه تراباً . والظاهر أن المعنى جعلنا بين رؤيتك وبين أبصار الذين لا يؤمنون بالآخرة كما ورد في سبب النزول . .
وقال قتادة والزجاج وجماعة ما معناه : { جَعَلْنَا بَيْنَكَ } فهم ما تقرأ وبينهم { حِجَاباً } فلا يقرون بنبوتك ولا بالبعث ، فالمعنى قريب من الآية بعدها ، والظاهر إقرار { مَّسْتُورًا } على موضوعه من كونه اسم مفعول أي { مَّسْتُورًا } عن أعين الكفار فلا يرونه ، أو { مَّسْتُورًا } به الرسول عن رؤيتهم . ونسب الستر إليه لما كان مستوراً به قاله المبرد ، ويؤول معناه إلى أنه ذو ستر كما جاء في صيغة لابن وتامر أي ذو لبن وذو تمر . وقالوا : رجل مرطوب أي ذو رطبة ولا يقال رطبته ، ومكان مهول أي ذو هول ، وجارية مغنوجة ولا يقال هلت المكان ولا غنجت الجارية . وقال الأخفش وجماعة { مَّسْتُورًا } ساتراً واسم الفاعل قد يجيء بلفظ المفعول كما قالوا مشؤوم وميمون يريدون شائم ويامن . وقيل : مستور وصف على جهة المبالغة كما قالوا شعر شاعر ، وردّ بأن المبالغة إنما تكون باسم الفاعل ومن لفظ الأول { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءاذَانِهِمْ وَقْراً } تقدم تفسيره في أوائل الأنعام { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } . قيل : دخل ملأ قريش على أبي طالب يزورونه ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فقرأ ومر بالتوحيد ، ثم قال : ( يا معشر قريش قولوا لا إله إلاّ الله تملكون بها العرب وتدين لكم العجم ) فولوا ونفروا فنزلت هذه الآية . والظاهر أن الآية في حال الفارّين عند وقت قراءته ومروره بتوحيد الله ، والمعنى إذا جاءت مواضع التوحيد فرّ الكفار إنكاراً له واستبشاعاً لرفض آلهتهم واطّراحها . .
وقال الزمخشري : وحد يحد وحدا وحدة نحو وعد يعد وعداً وعدة و { وَحْدَهُ } من باب رجع عوده على بدئه وافعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر ساد مسدّ الحال ، أصله يحد وحده بمعنى واحداً انتهى . وما ذهب إليه من أن { وَحْدَهُ } مصدر ساد مسد الحال خلاف مذهب سيبويه و { وَحْدَهُ } عند سيبويه ليس مصدراً بل هو اسم وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال ، فوحده عنده موضوع موضع إيحاد ، وإيحاد موضوع موضع موحد . وذهب يونس إلى أن { وَحْدَهُ } منصوب على الظرف ، وذهب قوم إلى أنه مصدر لا فعل له ، وقوم إلى أنه مصدر لأوحد على حذف الزيادة ، وقوم إلى أنه مصدر لوحد كما ذهب إليه الزمخشري وحجج هذه الأقوال مذكورة في كتب النحو .