@ 29 @ .
وقال الزمخشري : هذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف ، أمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والاقتار انتهى . والظاهر أنه مراد بالخطاب أمة الرسول صلى الله عليه وسلم ) وإلاّ فهو صلى الله عليه وسلم ) كان لا يدّخر شيئاً لغد ، وكذلك من كان واثقاً بالله حق الوثوق كأبي بكر حين تصدّق بجميع ماله . وقال ابن جريج وغيره : المعنى لا تمسك عن النفقة فيما أمرتك به من الحق { وَلاَ تَبْسُطْهَا } فيما نهيتك عنه وروي عن قالون : كل البصط بالصاد فتقعد جواب للهيئتين باعتبار الحالين ، فالملوم راجع لقوله : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ } . كما قال الشاعر : % ( إن البخيل ملوم حيث كان % .
ولكن الجواد على علاتّه هرم .
) % .
والمحسور راجع لنوله { وَلاَ تَبْسُطْهَا } وكأنه قيل فتلام وتحسر ، ثم سلاه تعالى عما كان يلحقه من الإضافة بأن ذلك ليس بهوان منك عليه ولا لبخل به عليك ، ولكن لأن بسط الرزق وتضييقه إنما ذلك بمشيئته وإرادته لما يعلم في ذلك من المصلحة لعباده ، أو يكون المعنى القبض والبسط من مشيئة الله ، وأما أنتم فعليكم الاقتصاد وختم ذلك بقوله { خَبِيراً } وهو العلم بخفيات الأمور و { بَصِيراً } أي بمصالح عباده حيث يبسط لقوم ويضيق على قوم . .
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } . .
لما بيَّن تعالى أنه هو المتكفل بأرزاق العباد حيث قال { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ } أتبعه بالنهي عن قتل الأولاد ، وتقدم تفسير نظير هذه الآية ، والفرق بين { خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ } ومن إملاق وبين قوله : { نَرْزُقُهُمْ } ونرزقكم . وقرأ الأعمش وابن وثاب : { وَلاَ تَقْتُلُواْ } بالتضعيف . وقرىء { خَشْيَةَ } بكسر الخاء ، وقرأ الجمهور { * خطأً } بكسر الخاء وسكون الطاء . وقرأ ابن كثير بكسرها وفتح الطاء والمدّ ، وهي قراءة طلحة وشبل والأعمش ويحيى وخالد بن إلياس وقتادة والحسن والأعرج بخلاف عنهما . وقال النحاس : لا أعرف لهذه القراءة وجهاً ولذلك جعلها أبو حاتم غلطاً . وقال الفارسي : هي مصدر من خاطأ يخاطىء وإن كنا لم نجد خاطأ ولكن وجدنا تخاطأ وهو مطاوع خاطأ ، فدلنا عليه فمنه قول الشاعر : % ( تخاطأت النبل أخشاه % .
وأخر يومي فلم يعجل .
) % .
وقول الآخر في كمأة .
% ( تخاطأه القناص حتى وجدته % .
وخرطومه في منقع الماء راسب .
) % .
فكان هؤلاء الذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحق والعدل . وقرأ ابن ذكوان { * خطأ } على وزن نبأ . وقرأ الحسن خطاء بفتحهما والمد جعله اسم مصدر من أخطأ كالعطاء من أعطى قاله ابن جنيّ . وقال أبو حاتم : هي غلط غير جائز ولا ؛ يعرف هذا في اللغة ، وعنه أيضاً خطى كهوى خفف الهمزة فانقلبت ألفاً وذهبت لالتقائهما . وقرأ أبو رجاء والزهري كذلك إلاّ أنهما كسرا الخاء فصار مثل ربا وكلاهما من خطىء في الدين وأخطأ في الرأي ، لكنه قد يقام كل واحد منهما مقام الآخر وجاء عن ابن عامر { * خطأ } بالفتح والقصر مع إسكان الطاء وهو مصدر ثالث من خطىء بالكسر .