@ 25 @ أحد قسميه ، و { كِلاَهُمَا } يصدق عليه الضمير وهو المبدل منه ، فليس من المقسم . ونقل عن أبي علي أن { كِلاَهُمَا } توكيد وهذا لا يتم إلاّ بأن يعرب { أَحَدُهُمَا } بدل بعض من كل ، ويضمر بعده فعل رافع الضمير ، ويكون { كِلاَهُمَا } توكيداً لذلك الضمير ، والتقدير أو يبلغا { كِلاَهُمَا } وفيه حذف المؤكد . وقد أجازه سيبويه والخليل قال : مررت بزيد وإياي أخوه أنفسهما بالرفع والنصب ، الرفع على تقديرهما صاحباي أنفسهما ، والنصف على تقدير أعينهما أنفسهما ، إلاّ أن المنقول عن أبي علي وابن جنيّ والأخفش قبلهما أنه لا يجوز حذف المؤكد وإقامة المؤكد مقامه ، والذي نختاره أن يكون { أَحَدُهُمَا } بدلاً من الضمير و { كِلاَهُمَا } مرفوع بفعل محذوف تقديره أو يبلغ { كِلاَهُمَا } فيكون من عطف الجمل لا من عطف المفردات ، وصار المعنى أن يبلغ أحد الوالدين أو يبلغ { كِلاَهُمَا } { عِندَكَ الْكِبَرَ } . وجواب الشرط { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ } وتقدم مدلول لفظ أف في المفردات واللغات التي فيها ، وإذا كان قد نهى أن يستقبلهما بهذه اللفظة الدالة على الضجر والتبرم بهما فالنهي عما هو أشدّ كالشتم والضرب هو بجهة الأولى ، وليست دلالة أف على أنواع الإيذاء دلالة لفظية خلافاً لمن ذهب إلى ذلك . .
وقال ابن عباس : { أُفّ } كلمة كراهة بالغ تعالى في الوصية بالوالدين ، واستعمال وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال حتى لا نقول لهما عند الضجر هذه الكلمة فضلاً عما يزيد عليها . قال القرطبي : قال علماؤنا : وإنما صار قول { أُفّ } للوالدين أردأ شيء لأن رفضهما رفض كفر النعمة ، وجحد التربية ، وردّ وصية الله . و { أُفّ } كلمة منقولة لكل شيء مرفوض ولذلك قال إبراهيم عليه السلام : { أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ } أي رفض لكم ولهذه الأصنام معكم انتهى . وقرأ الحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة وعيسى ونافع وحفص { أُفّ } بالكسر والتشديد مع التنوين . وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر كذلك بغير تنوين . وقرأ ابن كثير وابن عامر بفتحها مشدّدة من غير تنوين . وحكى هارون قراءة بالرفع والتنوين . وقرأ أبو السمال { أُفّ } بضم الفاء من غير تنوين . وقرأ زيد بن عليّ أفاً بالنصب والتشديد والتنوين . وقرأ ابن عباس { أُفّ } خفيفة فهذه سبع قراءات من اللغات التي حكيت في { أُفّ } . .
وقال مجاهد : إن معناه إذا رأيت منهما في حال الشيخوخة الغائط والبول اللذين رأيا منك في حال الصغر فلا تقذرهما وتقول { أُفّ } انتهى . والآية أعم من ذلك . ولما نهاه تعالى أن يقول لهما ما مدلوله أتضجر منكما ارتقى إلى النهي عما هو من حيث الوضع أشد من { أُفّ } وهو نهرهما ، وإن كان النهي عن نهرهما يدل عليه النهي عن قول { أُفّ } لأنه إذا نهي عن الأدنى كان ذلك نهياً عن الأعلى بجهة الأولى ، والمعنى ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك { وَقُل لَّهُمَا } بدل قول أف ونهرهما { قَوْلاً كَرِيمًا } أي جامعاً للمحاسن من البر وجودة اللفظ . قال ابن المسيب : قول العبد المذنب للسيد اللفظ . وقيل : { قَوْلاً كَرِيمًا } أي جميلاً كما يقتضيه حسن الأدب . وقال عمر : أن تقول يا أبتاه يا أمّاه انتهى . كما خاطب إبراهيم لأبيه يا أبت مع كفره ، ولا تدعوهما بأسمائهما لأنه من الجفاء وسوء الأدب ولا بأس به في غير وجهه كما قالت عائشة نحلني أبو بكر كذا . ولما نهاه تعالى عن القول المؤذي وكان لا يستلزم ذلك الأمر بالقول الطيب أمره تعالى بأن يقول لهما القول الطيب السار الحسن ، وأن يكون قوله دالاً على التعظيم لهما والتبجيل . .
وقال عطاء : تتكلم معهما بشرط أن لا ترفع إليهما بصرك ولا تشد إليهما نظرك لأن ذلك بنا في القول الكريم . وقال الزجاج قولاً سهلاً سلساً لا شراسة فيه ، ثم أمره تعالى بالمبالغة في التواضع معهما بقوله : { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ } . وقال القفال في تقريره وجهان . أحدهما : أن الطائر إذا ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحه ، فخفض الجناح كناية عن حسن التدبير وكأنه قيل للولد اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك حال صغرك . الثاني : أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه ، وإذا أراد ترك الطيران وترك الارتفاع خفض جناحه