@ 504 @ ويتعذب بها ، ثم لا يأتي من جهتها خير البتة . وعن قتادة أيضاً وغيره : هذا مثل ضربه الله لنفسه وللوثن ، فالأبكم الذي لا يقدر على شيء هو الوثن ، والذي يأمر بالعدل هو الله تعالى ، وهذا ليس كذلك لأنه قال : مثلاً رجلين ، فلا بد أن يكون عديل الأبكم الموصوف بتلك الصفات ، ومقابله رجل موصوف بما يقابل تلك الصفات من النطق والقدرة والكفاية ، ولكنه حذف المقابل لدلالة مقابله عليه ، ثم قيل : هل يستوي ذلك الأبكم الموصوف بتلك الصفات ، وهذا الناطق : ففي ذكر استوائهما أيضاً دليل على حذف المقابل . ولما كان البكم هو المبدأ به من الأوصاف ، وعنه تكون الأوصاف التي بعده قابلة في الاستواء بالنطق ، وثمرته من الأمر بالعدل غيره وهو في نفسه على طريقة مستقيمة ، فحيثما توجه صدر منه الخبر ونفع ، وليس بكالّ على أحد . وقد تقرر في بداية العقول أنّ الأبكم العاجز لا يكون مساوياً في العقل والشرف للناطق القادر الكامل مع استوائهما في البشرية ، فلأن يحكم بأنّ الجماد لا يكون مساوياً لرب العالمين في المعبودية أحرى وأولى . وكما قلنا في المثل السابق : لا يحتاج إلى تعيين المضروب بهما المثل ، فكذلك هنا ، فتعيين الأبكم بأبي جهل ، والآمر بالعدل : بعمار ، أو بأبيّ بن خلف ، وعثمان بن مظعون ، أو بهاشم بن عمرو بن الحرث كان يعادي الرسول صلى الله عليه وسلم ) لا يصح إسناده . .
وقرأ عبد الله ، وعلقمة ، وابن وثاب ، ومجاهد ، وطلحة يوجه بهاء واحدة ساكنة مبنياً ، وفاعله ضمير يعود عليى مولاه ، وضمير المفعول محذوف لدلالة المعنى عليه . ويجوز أن يكون ضمير الفاعل عائداً على الأبكم ، ويكون الفعل لازماً وجه بمعنى توجه ، كان المعنى : أينما يتوجه . وعن عبد الله أيضاً : توجهه بهاءين ، بتاء الخطاب ، والجمهور بالياء والهاءين . وعن علقمة وابن وثاب ، وطلحة ، يوجه بهاء ، واحدة ساكنة ، والفعل مبني للمفعول . وعن علقمة ، وطلحة : يوجه بكسر الجيم وهاء واحدة مضمومة . قال صاحب اللوامح : فإنْ صح ذلك فإنّ الهاء التي هي لام الفعل محذوفة فراراً من التضعيف ، ولأن اللفظ به صعب مع التضعيف ، أو لم يرد به الشرط ، بل أمر هو بتقدير أينما هو يوجه ، وقد حذف منه ضمير المفعول به ، فيكون حذف الياء من لا يأت بخير على التخفيف نحو : يوم يأت . وإذا يسر انتهى . ولا يخرج أين عن الشرط أو الاستفهام . وقال أبو حاتم : هذه القراءة ضعيفة ، لأن الجزم لازم انتهى . والذي توجه عليه هذه القراءة إن صحت أنّ أينما شرط حملت على إذا لجامع ما اشتركا فيه من الشرطية ، ثم حذفت الياء من لا يأت تخفيفاً ، أو جزمه على توهم أنه نطق بأينما المهملة معملة لقراءة من قرأ أنه من يتقي ويصبر في أحد الوجهين ، ويكون معنى يوجه يتوجه ، فهو فعل لازم لا متعد . .
ثم ذكر تعالى أنه له غيب السموات والأرض ، وهو ما غاب عن العباد وخفي فيهما عنهم علمه . والظاهر اتصاله بقوله : { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أخبر باستئثاره بعلم غيب السموات والأرض ، بكمال قدرته على الإتيان بالساعة التي تنكرونها في لمحة البصر أو أقرب ، والمعنى بهذا الإخبار : أنّ الآلهة التي تعبدونها منتف عنها هذان الوصفان اللذان للإله وهما : العلم المحيط بالمغيبات ، والقدرة البالغة التامّة . ومن ذكر أنّ قوله : ومن يأمر بالعدل هو الله تعالى ، ذكر ارتباط هذه الجملة بما قبلها بأنّ من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو الكامل في العلم والقدرة ، فبين ذلك بهذه الجملة . قيل : والغيب هنا ما لا يدرك بالحس ، ولا يفهم بالعقل . وقال المفضل : ما غاب عن الخلق هو في قبضته لا يعزب عنه . وقيل : هو ما في قوله : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } وقال الزمخشري : أو أراد بغيب السموات والأرض يوم القيامة ، على أن علمه غائب عن أهل السموات والأرض لم يطلع عليه أحد منهم . قيل : لما كانت الساعة آتية ولا بد ، جعلت من القرب كلمح البصر . وقال الزجاج : لم يرد أنّ الساعة تأتي في لمح البصر ، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها أي : يقول للشيء كن فيكون . وقيل : هذا تمثيل للقرب كما تقول : ما السنة إلا لحظة . وقال الزمخشري : هو عند الله وإن تراخى ، كما يقولون أنتم في الشيء التي تستقربونه : كلمح البصر ، أو هو أقرب إذا بالغتم في استقرابه ونحوه قوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ } { وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ } { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ } أي هو عنده دان ، وهو عندكم بعيد . وقيل : المعنى أنّ إقامة الساعة وإماتة الأحياء