@ 503 @ إن الله على كل شيء قدير ، والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ، ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) } : مناسبة ضرب هذا المثل أنه لما بين تعالى ضلالهم في إشراكهم بالله غيره وهو لا يجلب نفعاً ولا ضراً لنفسه ولا لعابده ، ضرب لهم مثلاً قصة عبد في ملك غيره ، عاجز عن التصرف ، وحر غني متصرف فيما آتاه الله . فإذا كان هذان لا يستويان عندكم مع كونهما من جنس واحد ، ومشتركين في الإنسانية ، فكيف تشركون بالله وتسوون به من مخلوق له مقهور بقدرته من آدمي وغيره ، مع تباين الأوصاف . وأنّ موجد الوجود لا يمكن أن يشبهه شيء من خلقه ، ولا يمكن لعاقل أن يشبه به غيره . قال مجاهد : هذا مثل لله وللأصنام . وقال قتادة : للمؤمن والكافر فالكافر العبد المملوك لا ينتفع بعبادته في الآخرة ، ومن رزقناه المؤمن . وقال ابن جبير : مثل للبخيل والسخي انتهى . .
ولما كان لفظ عبد قد يطلق على الحر ، خصص بمملوك . ولما كان المملوك قد يكون له تصرف وقدرة كالمأذون له والمكاتب ، خصص بقوله : لا يقدر على شيء ، والمعنى : على شيء من التصرف في المال ، لأنه يقدر على أشياء من حركاته : كالقيام ، والقعود ، والأكل ، والشرب ، والنوم ، وغير ذلك . والظاهر كون ومن موصولة أي : والذي رزقناه ، ودلت الصلة وما عطف على أنه يراد به الحر . وقال أبو البقاء : موصوفة . قال الزمخشري : الظاهر أنها موصوفة كأنه قال : وحراً رزقناه ليطابق عبداً ، ولا يمتنع أن تكون موصولة . وقال الحوفي : مَن بمعنى لذي ، ولا يقتضي ضرب المثل لشخصين موصوفين بأوصفا متباينة تعيينهما ، بل ما روي في تعيينهما من أنهما : عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد له أو أنهما أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأبو جهل ، لا يصح إسناده . وجمع الضمير في يستوون ولم يثن لسبق اثنين ، لأن مَن يحتمل أن يراد بها الجمع فيصير إذ ذاك جمع الضمير لانتظام العبد المملوك والأغنياء في الجمع ، وكأنه قيل : عبداً مملوكاً . والملاك المرزوقون المنفقون . ويحتمل أن يراد بعبداً مملوكاً الجنس ، فيصلح عود الضمير جمعاً عليه ، وعلى جنس الأغنياء . ويحتمل أن يعود على العبيد والأحرار وإن لم يجر للجمعين ذكر ، لدلالة عبد مملوك ومن رزقناه عليهما . .
قل : الحمد لله ، الظاهر أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ) . وقيل : يحتمل أن يكون خطاباً لمن رزقه الله ، أمره أن يحمد الله على أنّ ميزه بهذه القدرة على ذلك الضعيف . وقال ابن عطية : الحمد لله شكر على بيان الأمر بهذا المثل ، وعلى إذعان الخصم له كما تقول لمن أذعن لك ي حجة وسلم تبنى أنت عليه ، قولك : الله أكبر على هذا يكون كذا وكذا ، فلما قال هنا : هل يستوون ، فكأن الخصم قال له : لا ، فقال : الحمد لله ظهرت الحجة انتهى . وقيل : الحمد لله أي : هو المستحق للحمد دون ما يعبدون من دونه ، إذ لا نعمة للأصنام عليهم فتحمد عليها ، إنما الحمد الكامل لله لأنه المنعم الخالق . وقال ابن عباس : الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد . والظاهر نفي العلم عن أكثرهم ، لأنّ منهم من بان له الحق ورجع إليه ، أو أكثر الخلق لأن الأكثر هم المشركون . وقيل : المراد به االعموم أي : بل هم لا يعلمون . ومتعلق يعلمون محذوف ، إما لأنّ المعنى نفي العلم عن الأكثر ولم يلحظ متعلقه ، وإما لأنه محذوف يترتب على الأقوال التي سببها قوله الحمد لله . .
وضرب الله مثلاً رجلين أي قصة رجلين . قال الزمخشري : وهذا مثل ثان ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده ويشملهم من آثار رحمته وألطافه ونعمه الدينية والدنيوية ، والأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع . والأبكم الذي ولد أخرس لا يفهم ولا يفهم . وهو كل على مولاه أي : ثقيل ، وعيال على من يلي أمره ويعوله . أينما يوجهه : حيثما يرسله ويصرفه في مطلب حاجة أو كفاية مهم لم ينفع ولم يأت بنجح . هل يستوي هو ، ومن هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات مع رشد وديانة ، فهو يأمر الناس بالعدل ، وهو في نفسه على صراط مستقيم على سيرة صالحة ، ودين قويم انتهى . وقال ابن عباس : أحدهما أبكم مثل للكافر ، والذي يأمر بالعدل المؤمن . وقال قتادة : هذا مثل الله تعالى ، والأصنام فهي الأبكم الذي لا نطق له ولا يقدر على شيء ، وهو عيال على من والاه من قريب أو صديق ، كما الأصنام تحتاج أن تنقل وتخدم