@ 465 @ ومن كل الثمرات ، تنبيهاً على أنّ تفصيل القول في أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها مما لا يكاد يحصر ، كما أن تفصيل ما خلق من باقي الحيوان لا يكاد يحصر . وختم ذلك تعالى بقوله : لآية لقوم يتفكرون ، لأنّ النظر في ذلك يحتاج إلى فضل تأمل واستعمال فكر . ألا ترى أنّ الحبة الواحدة إذا وضعت في الأرض ومر عليها مقدار من الزمان معين لحقها من نداوة الأرض ما تنتفخ به ، فينشق أعلاها فيصعد منه شجرة إلى الهواء ، وأسفلها يغوص منه في عمق الأرض شجرة أخرى وهي العروق ، ثم ينمو الأعلى ويقوى ، وتخرج الأوراق والأزهار والأكمام ، والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الطبائع والطعوم والألوان والروائح والأشكال والمنافع ، وذلك بتقدير قادر مختار وهو الله تعالى . .
.
) % .
وقرأ الجمهور : والشمس وما بعده منصوباً ، وانتصب مسخرات على أنها حال مؤكدة إن كان مسخرات اسم مفعول ، وهو إعراب الجمهور . وقال الزمخشري : ويجوز أن كون المعنى : أنه سخرها أنواعاً من التسخير جمع مسخر بمعنى : تسخير من قولك : سخره الله مسخراً ، كقولك : سرحه مسرحاً ، كأنه قيل : وسخرها لكم تسخيرات بأمره انتهى . وقرأ ابن عامر : والشمس وما بعده بالرفع على الابتداء والخبر ، وحفص والنجوم مسخرات برفعهما ، وهاتان القراءتان يبعدان قول الزمخشري إنّ مسخرات بمعنى تسخيرات . وقرأ ابن مسعود ، والأعمش ، وابن مصرف : والرياح مسخرات في موضع ، والنجوم وهي مخالفة لسواد المصحف . والظاهر في قراءة نصب الجميع أنّ والنجوم معطوف على ما قبله . وقال الأخفش : والنجوم منصوب على إضمار فعل تقديره : وجعل النجوم مسخرات ، فأضمر الفعل . وعلى هذا الإعراب لا تكون مسخرات حالاً مؤكدة ، بل مفعولاً ثانياً لجعل إن كان جعل المقدرة بمعنى صير ، وحالاً مبينة إن كان بمعنى خلق . وتقدم شرح تسخير هذه النيرات في الأعراف . وجمع الآيات هنا ، وذكر العقل ، وأفرد فيما قبل ، وذكر التفكر لأنّ فيما قبل استدلالاً بإثبات الماء وهو واحد وإن كثرت أنواع النبات ، والاستدلال هنا متعدّد ، ولأنّ الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة ، وأبين شهادة للكبرياء والعظمة . وما درأ معطوف على الليل والنهار يعني : ما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك مختلفاً ألوانه من البياض والسواد وغير ذلك . وقيل : مختلفاً ألوانه أصنافه كما تقول : هذه ألوان من الثمر ومن الطعام . وقيل : المراد به المعادن . إنّ في ذلك أي : فيما ذرأ على هذه الحال من اختلاف الألوان ، أو إنّ في ذلك أي : اختلاف الألوان . وختم هذا بقوله : يذكرون ، ومعناه الاعتبار والاتعاظ ، كان علمهم بذلك سابق طرأ عليه النسيان فقيل : يذكرون أي : يتذكرون ما نسوا من تسخير هذه المكونات في الأرض . .
{ وَهُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } : لما ذكر تعالى الاستدلال بما ذرأ في الأرض ، ذكر ما امتن به من ستخير البحر . ومعنى تسخيره : كونه يتمكن الناس من الانتفاع به للركوب في المصالح ، وللغوص في استخراج ما فيه ، وللاصطياد لما فيه . والبحر جنس يشمل الملح والعذب ، وبدأ أولاً من منافعه بما هو الأهم وهو الأكل ، ومنه على حذف مضاف أي : لتأكلوا من حيوانه طرياً ، ثم ثنى بما يتزين به وهو الحلية من اللؤلؤ والمرجان ، ونبه على غاية الحلية وهو اللبس . وفيه منافع غير اللبس ، فاللحم الطري من الملح والعذب ، والحلية من الملح . وقيل : إنّ العذب يخرج منه لؤلؤ لا يلبس إلا قليلاً وإنما يتداوى به ، ويقال : إنّ في الزمرد بحرياً ، فأما لتأكلوا فعام في النساء والرجال ، وأما تلبسونها فخاص بالنساء . والمعنى : يلبسها نساؤكم . وأسند اللبس إلى الذكور ، لأنّ النساء إنما يتزين بالحلية من أجل رجالهن ، فكأنها زينتهم ولباسهم . ولما ذكر تعالى نعمة الأكل منه والاستخراج للحلية ، ذكر نعمة تصرف الفلك فيه ماخرة أي : شاقة فيه ، أو ذات صوت لشق الماء لحمل الأمتعة