@ 386 @ وصدّوا هنا ، وفي غافر بضم الصاد مبنياً للمفعول ، فالفعل متعد . وقرأ باقي السبعة : بفتحها ، فاحتمل التعدّي واللزوم أي : صدوا أنفسهم أو غيرهم . وقرأ ابن وثاب : وصدوا بكسر الصاد ، وهي كقراءة ردت إلينا بكسر الراء . وفي اللوامح الكسائي لابن يعمر وصدوا بالكسر لغة ، وفي الضم أجراه بحرف الجر نحو قبل ، فأما في المؤمن فبالكسر لابن وثاب انتهى . وقرأ ابن أبي إسحاق : وصد بالتنوين عطفاً على مكرهم . قال الزمخشري : ومن يضلل الله ، ومن يخذله يعلمه أنه لا يهتدي ، فما له من هاد فما له من واحد يقدر على هدايته انتهى . وهو على طريقة الاعتزال . والعذاب في الدنيا هو ما يصيبهم بسبب كفرهم من القتل والأسر والنهب والذلة والحروب والبلايا في أجسامهم ، وغير ذلك مما يمتحن به الكفار . وكان عذاب الآخرة أشق على النفوس ، لأنه إحراق بالنار دائماً { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } ومن واق : من ساتر يحفظهم من العذاب ويحميهم ، ولما ذكر ما أعد للكفار في الآخرة ذكر ما أعد للمؤمنين فقال : .
{ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ } : مثل الجنة أي : صفتها التي هي في غرابة المثل ، وارتفع مثل على الابتداء في مذهب سيبويه ، والخبر محذوف أي : فيما قصصنا عليكم مثل الجنة ، وتجري من تحتها الأنهار تفسير لذلك المثل . تقول : مثلت الشيء إذا وصفته وقربته للفهم ، وليس هنا ضرب مثل لها فهو كقوله تعالى : { وَلَهُ الْمَثَلُ الاعْلَى } أي الصفة العليا ، وأنكر أبو عليّ أن يكون مثل بمعنى صفة قال : إنما معناه التنبيه . وقال الفراء : أي صفتها أنها تجري من تحتها الأنهار ، ونحو هذا موجود في كلام العرب انتهى . ولا يمكن حذف أنَّها ، وإنما فسر المعنى ولم يذكر الإعراب . وتأول قوم على القرآن مثل مقحم ، وأنّ التقدير : الجنة التي وعد المتقون تجري ، وإقحام الأسماء لا يجوز . وحكوا عن الفراء أنّ العرب تقحم كثيراً المثل والمثل ، وخرج على ذلك : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } أي : كهو شيء . فقال غيرهما : الخبر تجري ، كما تقول : صفة زيد اسمر ، وهذا أيضاً لا يصح أن يكون تجري خبراً عن الصفة ، وإنما يتأول تجري على إسقاط أنْ ورفع الفعل ، والتقدير : أنْ تجري خبر ثان الأنهار . وقال الزجاج : معناه مثل الجنة جنة تجري على حذف الموصوف تمثيلاً لما غاب عنا بما نشاهد انتهى . وقال أبو علي : لا يصح ما قال الزجاج ، لا على معنى الصفة ، ولا على معنى الشبه ، لأن الجنة التي قدرها جنة ولا تكون الصّفة ، ولأن الشبه عبارة عن المماثلة التي بين المتماثلين وهو حدث ، والجنة جنة فلا تكون المماثلة . وقرأ علي وابن مسعود : مثال الجنة على الجمع أي : صفاتها . وفي اللوامح على السلمى أمثال الجنة جمع ، ومعناه : صفات الجنة . وذلك لأنها صفات مختلفة ، فلذلك جمع نحو الحلقوم والإسعال . والأكل ما يؤكل فيها ، ومعنى دوامه : أنه لا ينقطع أبداً ، كما قال تعالى : { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } وقال إبراهيم التيمي : أي لذاته دائمة لا تزاد بجوع ولا تمل من شبع . وظلها أي : دائم البقاء والراحة ، لا تنسخه شمس ، ولا يميل لبرد كما في الدنيا . أي : تلك الجنة عاقبة الذين اتقوا أي : اجتنبوا الشرك . .
{ وَالَّذِينَ اتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الاْحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا } : نزلت في مؤمني أهل الكتابين ، ذكره الماوردي ، واختاره الزمخشري فقال : من أسلم من اليهود كعبد الله بن سلام وكعب وأصحابهما ، ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون رجلاً : أربعون من نجران ، وثمانية من اليمنن ، وإثنان وثلاثون من الحبشة . ومن الأحزاب يعني : ومن أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بالعداوة نحو : كعب بن الأشرف وأصحابه ، والسيد والعاقب أسقفي نجران وأشياعهما ، من ينكر بعضه لأنهم كانوا لا ينكرون الأقاصيص وبعض الأحكام والمعاني مما هو ثابت في كتبهم غير محرف ، وكانوا ينكرون ما هو نعت الإسلام ، ونعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مما حرفوه وبدلوه انتهى . وعن ابن عباس ، وابن زيد : في مؤمني اليهود كعبد الله بن سلام وأصحابه ،