@ 385 @ ابن عطية : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت أحق بالعبادة أم الجمادات التي لا تضر ولا تنفع ؟ هذا تأويل . ويظهر أنّ القول مرتبط بقوله : وجعلوا لله شركاء ، كأنّ المعنى : أفمن له القدرة والوحدانية ويجعل له شريك ، هل ينتقم ويعاقب أم لا ؟ وأبعد من ذهب إلى أنّ قوله : أفمن هو قائم المراد به الملائكة الموكلون ببني آدم ، حكاه القرطبي عن الضحاك . والخبر أيضاً محذوف تقديره : كغيره من المخلوقين . وأبعد أيضاً من ذهب إلى أن قوله : وجعلوا معطوفاً على استهزىء ، أي : استهزؤوا وجعلوا ، ثم أمره تعالى أن يقول لهم : سمرهم أي : اذكروهم بأسمائهم ، والمعنى : أنهم ليسوا ممن يذكر ويسمى ، إنما يذكر ويسمى من هو ينفع ويضرّ ، وهذا مثل من يذكر لك أن شخصاً يوقر ويعظم وهو عندك لا يستحق ذلك فتقول لذاكره : سمه حتى أبين لك زيفه وأنه ليس كما تذكر . وقريب من هذا قول من قال في قوله : قل سموهم ، إنما يقال ذلك في الشيء السمتحقر الذي يبلغ في الحقارة إلى أنْ لا يذكر ولا يوضع له اسم ، فعند ذلك يقال له : سمه إن شئت أي : هو أخس من أن يذكر ويسمى . ولكن إن شئت أن تضع له اسماً فافعل ، فكأنه قال : سموهم بالآلهة على جهة التهديد . والمعنى : سواء سميتموهم بهذا الاسم أم لم تسموهم به فإنها في الحقارة بحيث لا يستحق أن يلفت العاقل إليها . وقيل : سموهم إذا صنعوا وأماتوا وأحيوا لتصح الشركة . وقيل : طالبوهم بالحجة على أنها آلهة . وقيل : صفوهم وانظروا هل يستحقون الإلهية ؟ وقال الزمخشري : جعلتم له شركاء فسموهم له من هم ، وبينوهم بأسمائهم . وقيل : هذا تهديد كما تقول لمن تهدده على شرب الخمر : سم الخمر بعد هذا . وأم في قوله : أم تنبؤونه منقطعة ، وهو استفهام توبيخ . قال الزمخشري : بل أتنبؤونه بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض ، فإذا لم يعلمهم على أنهم ليسوا بشيء يتعلق به العلم ، والمراد نفي أن يكون له شركاء ، ونحوه : { قُلْ * كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَىْء فِى السَّمَاواتِ وَلاَ فِى الاْرْضِ } انتهى . فجعل الفاعل في قوله : بما لا يعلم ، عائداً على الله . والعائد على بما محذوف أي : بما لا يعلمه الله . وكنا قد خرجنا تلك الآية على الفاعل في قوله : بما لا يعلم ، عائد على ما ، وقررنا ذلك هناك ، وهو يتقرر هنا أيضاً . أي : أتنبؤون الله بشركة الأصنام التي لا تتصف بعلم البتة . وذكر نفي العلم في الأرض ، إذ الأرض هي مقر تلك الأصنام ، فإذا انتفى علمها في المقر التي هي فيه ، فانتفاؤه في السموات أحرى . وقرأ الحسن : تنبؤونه من أنبأ . وقيل : المراد تقدرون أنْ تعلموه بأمر تعلمونه أنتم وهو لا يعلمه ، وخص الأرض بنفي الشريك بأنه لم يكن له شريك البتة ، لأنهم ادَّعوا أنَّ لله شريكاً في الأرض لا في غيرها . والظاهر في أم في قوله : أم ، بظاهر أنها منقطعة أيضاً أي : بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير ن يكون لذلك حقيقة أي : أنكم تنطقون بتلك الأسماء وتسمونها آلهة ولا حقيقة لها ، إذ أنتم لا تعلمون أنها لا تتصف بشيء من أوصاف الألوهية كقوله : { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا } وقال مجاهد : أم بظاهر من القول . وقال قتادة : بباطل من القول ، لا باطن له في الحقيقة . ومنه قول الشاعر : % ( أعيرتنا ألبانها ولحومها % .
وذلك عار يابن ريطة ظاهر .
) % .
أي باطل . وقيل : أم متصلة ، والتقدير : أم تنبئونه بظاهر من القول لا حقيقة له كقوله : { ذالِكَ قَوْلُهُم بِأَفْواهِهِمْ } ثم قال بعد هذا الحجاج على وجه التحقير لما هم عليه : بل زين للذين كفروا مكرهم . وقال الواحدي : لما ذكر الدلائل على فساد قولهم وقال : دع ذلك الدليل لأنهم لا ينتفعون به ، لأنه زيّن لهم مكرهم . وقرأ مجاهد : بل زين على البناء للفاعل مكرهم بالنصب . والجمهور : زين على النباء للمفعول مكرهم بالرفع أي : كيدهم للإسلام بشركهم ، وما قصدوا بأقوالهم وأفعالهم من مناقضة الشرع . وقرأ الكوفيون :