@ 369 @ والكاف في موضع نصب أي : مثل استجابة ، واستجابة مضافة في التقدير إلى باسط ، وهي إضافة المصدر إلى المفعول . وفاعل المصدر محذوف تقديره : كإجابة الماء من يبسط كفيه إليه ، فلما حذف أظهر في قوله : إلى الماء ، ولو كان ملفوظاً به لعاد الضمير إليه ، فكان يكون التركيب كفيه إليه . هذا الذي يقدر من كلام الزمخشري في هذا التشبيه ، وتبعه أبو البقاء . وقال ابن عطية : ومعنى الكلام الذي يدعونهم الكفار إلى حوائجهم ومنافعهم لا يجيبون ، ثم مثل تعالى مثالاً لإجابتهم بالذي يبسط كفيه إلى الماء ويشير إليه بالإقبال ، فهو لا يبلغ فمه أبداً ، فكذلك إجابة هؤلاء والانتفاع بهم لا يقع انتهى . وفاعل ليبلغ ضمير الماء ، وليبلغ متعلق بباسط ، وما هو أي : وما الماء يبالغه ، أي : يبالغ الفم . ويجوز أن يكون هو ضمير الفم ، والهاء في ببالغه للماء أي : وما الفم ببالغ الماء ، لأنّ كلاًّ منهما لا يبلغ الآخر على هذه الحالة . وقرىء : كباسط كفيه بتنوين باسط . وما دعاء الكافرين إلا في ضلال أي : في حيرة ، أو في اضمحلال ، لأنه لا يجدي شيئاً ولا يفيد ، فقد ضل ذلك الدعاء عنهم كما ضل المدعون . قال تعالى : { أَيْنَمَا * كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ } قالوا ضلوا . قال الزمخشري : إلا في ضياع لا منفعة فيه ، لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم ، وإن دعوا الآلهة لم نستطع إجابتهم . وقال ابن عباس : أصوات الكافرين محجوبة عن الله فلا يسمع دعاؤهم . .
{ وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوّ وَالاْصَالِ * قُلْ مَن رَّبُّ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لانْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاْعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ } : إن كان السجود بمعنى الخضوع والانقياد ، فمن عمومها ينقاد كلهم إلى ما أراده تعالى بهم شاؤوا أو أبوا ، وتنقاد له تعالى ظلالهم حيث هي على مشيئته من الامتداد والتقلص ، والفيء والزوال ، وإن كان السجود عبارة عن الهيئة المخصوصة : وهو وضع الجبهة بالمكان الذي يكون فيه الواضع ، فيكون عاماً مخصوصاً إذ يخرج منه من لا يسجد ، ويكون قد عبر بالطوع عن سجود الملائكة والمؤمنين ، وبالكره عن سجود من ضمه السيف إلى الإسلام كما قاله قتادة : فيسجد كرهاً وإما نفاقاً ، أو يكون الكره أول حاله ، فتستمر عليه الصفة وإن صح إيمانه بعد . وقيل : طوعاً لا يثقل عليه السجود ، وكرهاً يثقل عليه ، لأنّ إلزام التكاليف مشقة . وقيل : من طالت مدة إسلامه ، فألف السجود . وكرهاً من بدا بالإسلام إلى أن يألف السجود قاله ابن الأنباري . وقيل : هو عام على تقدير كون السجود عبارة عن الهيئة المخصوصة ، وذلك بأن يكون يسجد صيغته صيغة الخبر ، ومدلولة أثراً . أو يكون معناه : يجب أن يسجد له كل من في السموات والأرض ، فعبر عن الوجوب بالوقوع . والذي يظهر أنّ مساق هذه الآية إنما هو أنّ العالم كله مقهور لله تعالى ، خاضع لما أراد منه مقصور على مشيئته ، لا يكون منه إلا ما قدر تعالى . فالذين تعبدونهم كائناً ما كانوا داخلون تحت القهر ، ويدل على هذا المعنى تشريك الظلال في السجود . والظلال ليست أشخاصاً يتصور منها السجود بالهيئة المخصوصة ، ولكنها داخلة تحت مشيئته تعالى يصرفها على ما أراد ، إذ هي من العالم . فالعالم جواهره وأعراضه داخلة تحت إرادته كما قال تعالى : { أَوَ لَمْ * يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَىْء * يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ } وكون الظلال يراد بها الأشخاص كما قال بعضهم ضعيف ، وأضعف منه قول ابن الأنباري : إنه تعالى جعل للظلال عقولاً تسجد بها وتخشع بها ، كما جعل للجبال أفهاماً حتى خاطبت وخوطبت ، لأنّ الجبل يمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة ، وأما الظل فعرض لا يتصور قيام الحياة به ، وإنما معنى سجود الظلال ميلها من جانب إلى جانب كما أراد تعالى . وقال الفراء : الظل مصدر يعني في الأصل ، ثم أطلق على الخيال الذي يظهر للجرم ، وطوله بسبب انحطاط الشمس ، وقصره بسبب ارتفاعها ، فهو منقاد لله تعالى في طوله وقصره وميله من جانب إلى جانب . وخص هذان الوقتان بالذكر لأنّ الظلال إنما تعظم وتكثر فيهما ، وتقدم شرح الغدوّ والآصال في آخر الأعراف . روي أن الكافر إذا سجد لصنمه كان ظله يسجد لله حينئذ . .
وقرأ أبو مجلز :