@ 368 @ الإجابة ، ودعاء غير الله لا يجاب ، وقال الزمخشري : فيه وجهان . أحدهما : أن تضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل ، كما تضاف الكلمة إليه في قوله : ( كلمة الحق ) للدلالة على أنّ الدعوة ملابسة للحق مختصة به ، وأنها بمعزل من الباطل ، والمعنى : أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة ، ويعطى الداعي سؤله إن كانت مصلحة له ، فكانت دعوته ملابسة للحق لكونه حقيقاً بأن يوجه إليه الدعاء ، لما في دعوته من الجدوى والنفع ، بخلاف ما لا ينفع ولا يجدي دعاؤه . والثاني : أن تضاف إلى الحق الذي هو الله عز وجل على معنى دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب . وعن الحسن رحمه الله : الحق هو الله تعالى ، وكل دعاء إليه دعوة الحق انتهى . وهذا الوجه الثاني الذي ذكره الزمخشري لا يظهر ، لأنّ مآله إلى تقدير : لله دعوة لله ، كما تقول : لزيد دعوة زيد ، وهذا التركيب لا يصح . والذي يظهر أن هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصفة كقوله : ولدار الآخرة على أحد الوجهين ، والتقدير : لله الدعوة الحق بخلاف غيره فإنّ دعوتهم باطلة ، والمعنى : أن الله تعالى الدعوة له هي الدعوة الحق . ولما ذكر تعالى جدال الكفار في الله تعالى ، وكان جدالهم في إثبات آلهة معه ، ذكر تعالى أنه له الدعوة الحق أي : من يدعو له فدعوته هي الحق ، بخلاف أصنامهم التي جادلوا في الله لأجلها ، فإن دعاءها باطل لا يتحصل منه شيء . فقال : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ } . قال الزمخشري : والآلهة الذين يدعونهم الكفار من دون الله لا يستجيبون لهم بشيء من طلباتهم إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه أي : كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه ، يطلب منه أن يبلغ فاه ، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه . وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ، ولا يستطيع إجابتهم ، ولا يقدر على نفعهم . وقيل : شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه ، فبسطهما ناشراً أصابعه فلم تبق كفاه منه شيئاً ، ولم يبلغ طلبته من شربه انتهى . فالضمير في يدعون عائد على الكفار ، والعائد على الذين محذوف أي : يدعونهم . ويؤيده قراءة من قرأ بالتاء في تدعون ، وهي قراءة اليزيدي عن أبي عمر . وقيل : الذين أي : الكفار الذين يدعون ، ومفعول يدعون محذوف أي : يدعون الأصنام . والعائد على الذين الواو في يدعون ، والواو في لا يستجيبون عائد في هذا القول على مفعول يدعون المحذوف ، وعلى القول الأول على الذين . قال ابن عباس : كالناظر إلى خياله في الماء يريد تناوله ، فكذا المحتاج يخيل إليه في الاحتياج إليه خيال الاحتياج إليه . وقال الضحاك : كمن بسط يديه إلى الماء ليص إليه بلا اغتراف . وقال أبو عبيدة : أي كالقابض على الماء ليس على شيء ، قال : والعرب تضرب المثل في الساعي فيما لا يدركه بالقابض على الماء ، وأنشد سيبويه : % ( فأصبحت فيما كان بيني وبينها % .
من الود مثل القابض الماء في اليد .
) % .
وقال آخر : % ( وإني وإياكم وشوقاً إليكم % .
كقابض ماء لم تسعه أنامله .
) % .
. وقيل : شبه الكفار في دعائهم لأصنامهم عند ضرورتهم برجل عطشان لا يقدر على الماء ، جلس على شفير بئر يدعو الماء ليبل غلته ، فلا هو يبلغ قعر البئر إلى الماء ، ولا الماء يرتفع إليه لأنه جماد ولا يحس بعطشه ودعائه ، كذلك ما يدعو الكفار من الأوثان جماد لا يحس بدعائهم ، ولا يستطيع إجابتهم ، ولا يقدر على نفعهم انتهى .