@ 346 @ ذلك وهو شريعة الإسلام والإيمان ، وتوحيد الله . فقال : قل يا محمد هذا الطريقة والدعوة طريقي التي سلكتها وأنا عليها ، ثم فسر تلك السبيل فقال : أدعو إلى الله يعني : لا إلى غيره من ملك أو إنسان أو كوكب أو صنم ، إنما دعاني إلى الله وحده . قال ابن عباس : سبيلي أي دعوتي . وقال عكرمة : صلاتي ، وقال ابن زيد : سنتي ، وقال مقاتل والجمهور : ديني . .
وقرأ عبد الله : قل هذا سبيلي على التذكير . والسبيل يذكر ويؤنث ، ومفعول أدعو هو محذوف تقديره : أدعو الناس . والظاهر تعلق على بصيرة بأدعو ، وإنا توكيد للضمير المستكن في ادعو ، ومن معطوف على ذلك الضمير والمعنى : أدعو أنا إليها من اتبعني . ويجوز أن يكون على بصيرة خبراً مقدماً ، وإنا مبتدأ ، ومن معطوف عليه . ويجوز أن يكون على بصيرة حالاً من ضمير ادعو ، فيتعلق بمحذوف ، ويكون أنا فاعلاً بالجار والمجرور النائب عن ذلك المحذوف ، ومن اتبعني معطوف على أنا . وأجاز أبو البقاء أن يكون : ومن اتبعني مبتدأ خبره محذوف تقديره كذلك أي : داع إلى الله على بصيرة . ومعنى بصيرة حجة واضحة وبرهان متيقن من قوله : { قَدْ جَاءتْكُم * بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ } وسبحان الله داخل تحت قوله قل : أي قل ، وتبرئة الله من الشركاء أي : براءة الله من أن يكون له شريك . ولما أمر بأن يخبر عن نفسه أنه يدعو هو ومن اتبعه إلى الله ، وأمر أن يخبر أنه ينزه الله عن الشركاء ، أمر أن يخبر أنه في خاصة نفسه منتف عن الشرك ، وأنه ليس ممن أشرك . وهو نفي عام في الأزمان لم يكن منهم ، ولا في وقت من الأوقات . إلا رجالاً حصر في الرسل دعاة إلى الله ، فلا يكون ملكاً . وهذا رد على من قال : { لَوْ شَاء رَبُّنَا لاَنزَلَ مَلَائِكَةً } وكذلك ، قال : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً } وقال ابن عباس : يعني رجالاً لا نساء ، فالرسول لا يكون امرأة ، وهل كان في النساء نبية فيه خلاف ؟ والنبي أعم من الرسول ، لأنه منطلق على من يأتيه الوحي سواء أرسل أو لم يرسل ، قال الشاعر في سجاح المتنبئة : % ( أمست نبيتنا أنثى نطيف بها % .
ولم تزل أنبياء الله ذكرانا % ( فلعنة الله والأقوام كلهم % .
على سجاح ومن بالإفك أغرانا .
) % % ( أعني مسيلمة الكذاب لا سقيت % .
أصداؤه ماء مزن أينما كانا .
) % .
وقرأ أبو عبد الرحمن ، وطلحة ، وحفص : نوحي بالنون وكسر الحاء ، موافقاً لقوله : وما أرسلنا . وقرأ الجمهور بالياء وفتح الحاء مبنياً للمفعول . والقرى المدن . قال ابن زيد : أهل القرى أعلم وأحلم من أهل البادية ، فإنهم قليل نبلهم ، ولم ينشىء الله قط منهم رسولاً . وقال الحسن : لم يبعث الله رسولاً من أهل البادية ، ولا من النساء ، ولا من الجن . والتبدي مكروه إلا في الفتن ، ففي الحديث : ( من بدا جفا ) ثم استفهم استفهام توبخ وتفريع . والضمير في يسيروا عائد على من أنكر إرسال الرسل من البشر ، ومن عاند الرسول وأنكر رسالته كفر أي : هلا يسيرون في الأرض فيعلمون بالتواتر أخبار الرسل السابقة ، ويرون مصارع الأمم المكذبة ، فيعتبرون بذلك ؟ ولدار الآخرة خير ، هذا حض على العمل لدار الآخرة والاستعداد لها ، واتقاء المهلكات ، ففي هذه الإضافة تخريجان : أحدهما : أنها من إضافة الموصوف إلى صفته ، وأصله : ولدار الآخرة . والثاني : أن يكون من حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه ، وأصله : ولدار المدة الآخرة أو النشأة الآخرة . والأول : تخريج كوفي ، والثاني : تخريج بصرى . .
وقرأ الجمهور : أفلا يعقلون بالياء رعياً لقوله : أفلم يسيروا . وقرأ الحسن ، وعلقمة ، والأعرج ، وعاصم ، وابن عامر ، ونافع : بالتاء على خطاب هذه الأمة تحذيراً لهم مما وقع فيه أولئك ، فيصيبهم ما أصابهم . قال الكرماني : أفلا يعقلون أنها خير . فيتوسلوا إليها بالإيمان انتهى .