@ 337 @ والتوبيخ ، ومراده تعظيم الواقعة أي : ما أعظم ما ارتكبتم من يوسف . كما يقال : هل تدري من عصيت ؟ وقيل : هل بمعنى قد ، لأنهم كانوا عالمين ، وفعلتم بيوسف إفراده من أبيهم ، وقولهم : بأن الذئب أكله ، وإلقاؤه في الجب وبيعه بثمن بخس إن كانوا هم الذين باعوه ، وقولهم : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ، والذي فعلوا بأخيه أذاهم له وجفاؤهم له ، واتهامه بسرقة الصاع ، وتصريحهم بأنه سرق ، ولم يذكر لهم ما إذ واجه أباهم تعظيماً لقدره وتفخيماً لشأنه أن يذكره مع نفسه وأخيه . قال ابن عباس ، والحسن : جاهلون صبيان . وقال مقاتل : مذنبون . وقيل : جاهلون بما يجب من بر الأب ، وصلة الرحم ، وترك الهوى . وقيل : جاهلون بما يؤول إليه أمر يوسف . وقيل : جاهلون بالفكر في العاقبة ، وعدم النظر إلى المصلحة . وقال المفسرون : وغرض يوسف توبيخ أخوته وتأنيبهم على ما فعلوا في حق أبيهم وفي حق أخويهم ، قال : والصحيح أنه قال ذلك تأنيساً لقلوبهم ، وبسط عذر كأنه قال : إنما أقدمكم على ذلك الفعل القبيح جهالة الصبا أو الغرور ، وكأنه لقنهم الحجة كقوله : { مَا * غَرَّكَ بِرَبّكَ الْكَرِيمِ } وما حكاه ابن الهيصم في قصة من أنه صلبهم ، والثعلبي في حكايته أنه غضب عليهم فأمر بقتلهم فبكوا وجزعوا ، فرق لهم وقال : هل علمتم الآية : لا يصح البتة ، وكان يوسف من أرق خلق الله وأشفقهم على الأجانب ، فكيف مع إخوته ولما اعترفوا بالخطأ قال : لا تثريب عليكم الآية . .
{ قَالُواْ * أَءنَّكَ لاَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَاذَا أَخِى قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ } : لما خاطبهم بقوله : هل علمتم ؟ أدركوا أنه لا يستفهم ملك لم ينشأ عندهم ، ولا تتبع أحوالهم ، وليس منهم فيما يظهر إلا وعنده علم بحالهم فيقال : إنه كان يكلمهم من وراء حجاب ، فرفعه ووضع التاج وتبسم ، وكان يضيء ما حوله من نور تبسمه أو رأوا لمعة بيضاء كالشامة في فرقه حين وضع التاج وكان مثلها لأبيه وجده وسارة ، فتوسموا أنه يوسف ، واستفهموه استفهام استخبار . وقيل : استفهام تقرير ، لأنهم كانوا عرفوه بتلك العلامات التي سبق ذكرها . .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف عرفوه ؟ ( قلت ) : رأوا في روائه وشمائله حين كلمهم بذلك ما شعروا به أنه هو ، مع علمهم بأن ما خاطبهم به لا يصدر إلا عن حنيف مسلم من نسل إبراهيم عليه السلام ، لا عن بعض أعزاء مصر . وقرأ الجمهور : أئنك على الاستفهام ، والخلاف في تحقيق الهمزتين ، أو تليين الثانية وإدخال ألف في التلين ، أو التحقيق مذكور في القراءات السبع . وقرأ قتادة ، وابن محيصن ، وابن كثير : إنك بغير همزة استفهام ، والظاهر أنها مرادة . ويبعد حمله على الخبر المحض ، وقد قاله بعضهم لتعارض الاستفهام والخبر إن اتحد القائلون في القول وهو الظاهر ، فإن قدر أنّ بعضاً استفهم وبعضاً أخبر ، ونسب في كل من القراءتين إلى المجموع قول بعضهم : أمكن ، وهو مع ذلك بعيد . وقرأ أبي : أئنك أو أنت يوسف . وخرجه ابن جني على حذف خبر إن وقدره : أئنك لأنت يوسف ، أو أنت يوسف . وقدره الزمخشري : أئنك يوسف ، أو أنت يوسف ، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال : وهذا كلام مستعجب مستغرب لما يسمع ، فهو يكرر الاتسثبات انتهى . وحكى أبو عمرو الداني في قراءة أبي بن كعب قالوا : أو أنت يوسف ؟ وفي قراءة الجمهور : أئنك لأنت ، يجوز أن تكون اللام دخلت على أنت ، وهو فصل : وخبر إنّ يوسف كما تقول : إنْ كان زيد لهو الفاضل . ويجوز أن تكون دخلت على أنت وهو مبتدأ ، ويوسف خبره ، والجملة في موضع خبر إن ، ولا يجوز أن يكون أنت توكيداً للضمير الذي هو اسم إن لحيلولة اللام بينهما . ولما استفهموه أجابهم فقال : أنا يوسف كاشفاً لهم أمره ، وزادهم في الجواب قوله : وهذا أخي ، لأنه سبق قوله : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه ؟ وكان في ذكر أخيه بيان لما سألوا عنه ، وإن كان معلوماً عندهم وتوطئه لما ذكر بعد من هو بالتقوى والصبر ، والأحسن أن لا تخص التقوى بحالة ولا الصبر .