@ 232 @ النجاد كثير الرماد . وظاهر قوله : ممن معك يدل على أنّ المؤمنين والكافرين نشأوا ممن معه ، والذين كانوا معه في السفينة إن كانوا أولاده الثلاثة فقط ، أو معهم نساؤهم ، انتظم قول المفسرين أنّ نوحاً عليه السلام هو أبو الخلق كلهم ، وسمي آدم الأصغر لذلك وإن كانوا أولاده وغيرهم على الاختلاف في العدد ، فإن كان غير أولاده مات ولم ينسل صح أنه أبو البشر بعد آدم ، ولم يصح أنه نشأ ممن معه مؤمن وكافر ، إلا إن أريد بالذين معه أولاده ، فيكون من إطلاق العام ويراد به الخاص . وإن كانوا نسلوا كما عليه أكثر المفسرين فلا ينتظم أنه أبو البشر بعد آدم بل الخلق بعد الطوفان منه ، وممن كان معه في السفينة والأمم الممتعة ليسوا معينين ، بل هم عبارة عن الكفار . وقيل : هم قوم هود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، عليهم الصلاة والسلام . .
تلك إشارة إلى قصة نوح ، وتقدمت أعاريب في مثل هذا التركيب في قوله : { ذالِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ } في آل عمران ، وتلك إشارة للبعيد ، لأنّ بين هذه القصة والرسول مدداً لا تحصى . وقيل : الإشارة بتلك إلى آيات القرآن ، ومن أنباء الغيب وهو الذي تقادم عهده ولم يبق علمه إلا عند الله ، ونوحيها إليك ليكون لك هداية وأسوة فيما لقيه غيرك من الأنبياء ، ولم يكن علمها عندك ولا عند قومك ، وأعلمناهم بها ليكون مثالاً لهم وتحذيراً أن يصيبهم إذا كذبوك ما أصاب أولئك ، وللحظ هذا المعنى ظهرت فصاحة قوله : فاصبر على أذاهم مجتهداً في التبليغ عن الله ، فالعاقبة لك كما كانت لنوح في هذا القصة . ومعنى ما كنت تعلمها : أي مفصلة كما سردناها عليك ، وعلم الطوفان كان معلوماً عند العالم على سبيل الإجمال ، والمجوس الآن ينكرونه . والجملة من قوله : ما كنت في موضع الحال من مفعول نوحيها ، أو من مجرور إليك ، وقدرها الزمخشري تقدير معنى فقال : أي مجهولة عندك وعند قومك ويحتمل أن يكون خبراً بعد خبر ، والإشارة بقوله : من قبل هذا إلى الوقت أو إلى الإيحاء أو إلى العلم الذي اكتسبه بالوحي احتمالات ، وفي مصحف ابن مسعود من قبل هذا القرآن . وقال الزمخشري : ولا قومك معناه : أن قومك الذين أنت منهم على كثرتهم ووفور عددهم إذا لم يكن ذلك شأنهم ، ولا سمعوه ولا عرفوه ، فكيف برجل منهم كما تقول : لم يعرف هذا عبد الله ولا أهل بلده ؟ . .
{ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ * قَوْمٌ * اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَاهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ * إِلاَّ مُفْتَرُونَ * ياقَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الَّذِى فَطَرَنِى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * وَياقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } : وإلى عاد أخاهم معطوف على قوله : أرسلنا نوحاً إلى قومه ، عطف الواو على المجرور ، والمنصوب على المنصوب ، كما يعطف المرفوع والمنصوب على المرفوع والمنصوب نحو : ضرب زيد عمراً ، وبكر خالداً ، وليس من باب الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف والمعطوف نحو : ضربت زيداً ، وفي البيت عمراً ، فيجيء منه الخلاف الذي بين النحويين : هل يجوز في الكلام ، أو يختص بالشعر ؟ وتقدير الكلام في هود وعاد وأخوته منهم في الأعراف ، وقراءة الكسائي غيره بالخفض ، وقيل : ثم فعل محذوف أي : وأرسلنا إلى عاد أخاهم ، فيكون إذ ذاك من عطف الجمل ، والأول من عطف المفردات ، وهذا أقرب لطول الفصل بالجمل الكثيرة بين المتعاطفين . وهوداً بدل أو عطف بيان . وقرأ محيصن : يا قوم بضم الميم كقراءة حفص : قل رب احكم بالحق بالضم ، وهي لغة في المنادي المضاف حكاها سيبويه وغيره ، وافتراؤهم قال الحسن : في جعلهم الألوهية لغير الله تعالى . وقال الزمخشري : باتخاذكم الأوثان له شركاء . والضمير في عليه عائد على الدعاء إلى الله ، ونبه بقوله : الذي فطرني ، على الرد عليهم في عبادتهم الأصنام ، واعتقادهم أنها تفعل ، وكونه تعالى هو الفاطر للموجودات يستحق إفراده بالعبادة . وأفلا تعقلون توقيف على استحالة الألوهية لغير الفاطر ، ويحتمل أن يكون أفلا تعقلون راجعاً إلى أنه إذا لم أطلب عرضاً منكم ، وإنما أريد نفعكم فيجب انقيادكم لما فيه نجاتكم ، كأنه قيل : أفلا تعقلون نصيحة من لا يطلب عليها أجراً إلا من الله تعالى ، وهو ثواب الآخرة ، ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك . وتقدّم الكلام في { اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } أول هذه السورة قصد هود استمالتهم إلى الإيمان وترغيبهم فيه بكثرة المطر وزيادة القوة ، لأنهم كانوا أصحاب زورع وبساتين