@ 229 @ وهذا النداء والخطاب بالأمر هو استعارة مجازية ، وعلى هذا جمهور الحذاق . وقيل : إن الله تعالى أحدث فيهما إدراكاً وفهماً لمعاني الخطاب . وروي أن أعرابياً سمع هذه الآية فقال : هذا كلام القادرين ، وعارض ابن المقفع القرآن فلما وصل إلى هذه الآية أمسك عن المعارضة وقال : هذا كلام لا يستطيع أحد من البشر أن يأتي بمثله . وقال ابن عباس في قوله : وقضي الأمر ، غرق من غرق ، ونجا من نجا . وقال مجاهد : قضي الأمر بهلاكهم ، وقال ابن قتيبة ، قضي الأمر فرغ منه ، وقال ابن الأنباري : أحكمت هلكة قوم نوح ، وقال الزمخشري : أنجز ما وعد الله نوحاً من هلاك قومه . واستوت أي استقرت السفينة على الجودي ، واستقرارها يوم عاشوراء من المحرّم قاله : ابن عباس ، والضحاك . وقيل : يوم الجمعة ، وقيل : في ذي الحجة . وأقامت على الجوي شهراً ، وهبط بهم يوم عاشوراء . وذكروا أن الجبال تطاولت وتخاشع الجودي . وحديث بعث نوح عليه السلام الغراب والحمامة ليأتياه بخبر كمال الغرق الله أعلم بما كان من ذلك . .
وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة على الجودي بسكون الياء مخففة . قال ابن عطية : وهما لغتان ، وقال صاحب اللوامح : هو تخفيف ياءي النسب ، وهذا التخفيف بابه الشعر لشذوذه ، والظاهر أن قوله : وقيل بعداً من قول الله تعالى كالأفعال السابقة ، وبنى الجميع للمفعول للعلم بالفاعل ، وقيل : من قول نوح والمؤمنين ، قيل : ويحتمل أن يكون من قول الملائكة ، قيل : ويحتمل أن يكون ذلك عبارة عن بلوغ الأمر ذلك المبلغ وإن لم يكن ، ثم قول محسوس . ومعنى بعد إهلاكاً يقال : بعد يبعد بعداً وبعداً إذا هلك ، واللام في للقوم من صلة المصدر . وقيل : تتعلق بقوله : وقيل ، والتقدير وقيل لأجل الظالمين ، إذ لا يمكن أن يخاطب الهالك إلا على سبيل المجاز . ومعنى ونادى نوح ربه أي : أراد أن يناديه ، ولذلك أدخل الفاء ، إذ لو كان أراد حقيقة النداء والأخبار عن وقوعه منه لم تدخل الفاء في فقال : ولسقطت كما لم تدخل في قوله : { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً * قَالَ رَبّ } والواو في هذه الجملة لا ترتب أيضاً ، وذلك أن هذه القصة كانت أول ما ركب نوح السفينة ، ويظهر من كلام الطبري أن ذلك من بعد غرق الابن . وفي قوله : إن ابني من أهلي ، ظهور أنه ولده لصلبه . ومعنى من أهلي أي : الذي أمرت أن أحملهم في السفينة لقوله : { احْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ } ولم يظن أنه داخل فيمن استثناه الله بقوله : إلا من سبق عليه القول منهم لظنه أنه مؤمن وعموم قوله : ومن آمن يشمل من آمن من أهله ومن غير أهله ، وحسن الخطاب بقوله : وإن وعدك الحق ، أي الوعد الثابت الذي لا شك في إنجازه والوفاء به ، وقد وعدتني أن تنجي أهلي ، وأنت أعلم الحكام وأعدلهم . .
قال الزمخشري : ويجوز أن تكون من الحكمة حاكم بمعنى النسبة ، كما يقال : دارع من الدرع ، وحائض وطالق على مذهب الخليل انتهى . ومعنى ليس من أهلك على قول من قال : إنه ابنه لصلبه أي الناجين ، أو الذين عمهم الوعد . ومن زعم أنه ربيبه فهو ليس من أهله حقيقة ، إذ لا نسبة بينه وبينه بولادة ، فعلى هذا نفي ما قدّر أنه داخل في قوله : وأهلك ، ثم علل انتفاء كونه ليس من أهله بأنه عمل غير صالح . والظاهر أنّ الضمير في أنه عائد على ابن نوح لا على النداء المفهوم من قوله : ونادى المتضمن سؤال ربه ، وجعله نفس العمل مبالغة في ذمه كما قال : فإنما هي إقبال وإدبار ، هذا على قراءة جمهور السبعة . وقرأ الكسائي : عمل غير صالح جعله فعلاً ناصباً غير صالح ، وهي قراءة : علي ، وأنس ، وابن عباس ، وعائشة ، وروتها عائشة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ، وهذا يرجح أن الضمير يعود على ابن نوح . قيل : ويرجح كون الضمير في أنه عائد على نداء نوح المتضمن السؤال أنّ في مصحف ابن مسعود أنه عمل غير صالح إن تسألني ما ليس لك به علم . وقيل : يعود على الضمير في هذه القراءة على ركوب ولد نوح معهم الذي تضمنه سؤال نوح المعنى : أن كونه مع الكافرين وتركه الركوب مع المؤمنين عمل غير صالح ، وكون الضمير في أنه عائداً على غير ابن نوح عليه السلام تكلف وتعسف لا يليق بالقرآن . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فهلا قيل إنه عمل فاسد ؟ ( قلت ) : لما نفاه من