@ 223 @ نور الفجر تنويراً قاله : علي ومجاهد ، أو هو مجاز والمراد غلبة الماء وظهور العذاب كما قال صلى الله عليه وسلم ) لشدة الحرب : { * حمي الوطيس } والوطيس أيضاً مستوقد النار ، فلا فرق بين حمى وفار ، إذ يستعملان في النار . قال الله تعالى : { أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ } ولا فرق بين الوطيس والتنور . والظاهر من هذه الأقوال حمله على التنور الذي هو مستوقد النار ، ويحتمل أن تكون أل فيه للعهد لتنور مخصوص ، ويحتمل أن تكون للجنس . ففار النار من التنانير ، وكان ذلك من أعجب الأشياء أن يفور الماء من مستوقد النيران . ولا تنافي بين هذا وبين قوله : { وَفَجَّرْنَا الاْرْضَ عُيُوناً } إذ يمكن أن يراد بالأرض أماكن التنانير ، والتفجير غير الفوران ، فحصل الفوران للتنور ، والتفجير للأرض . والضمير في فيها عائد على الفلك ، وهو مذكر أنث على معنى السفينة ، وكذلك قوله : وقال اركبوا فيها . .
وقرأ حفص : من كل زوجين بتنوين ، كل أي من كل حيوان وزوجين مفعول ، واثنين نعت توكيد ، وباقي السبعة بالإضافة ، واثنين مفعول احمل ، وزوجين بمعنى العموم أي : من كل ما له ازدواج ، هذا معنى من كل زوجين قاله أبو علي وغيره . قال ابن عطية : ولو كان المعنى احمل فيها من كل زوجين حاصلين اثنين ، لوجب أن يحمل من كل نوع أربعة ، والزوج في مشهور كلام العرب للواحد مما له ازدواج ، فيقال : هذا زوج ، هذا وهما زوجان ، وهذا هو المهيع في القرآن في قوله تعالى : { ثَمَانِيَةَ أَزْواجٍ } ثم فسرها وفي قوله { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاْنثَى } وقال الأخفش : وق يقال في كلام العرب للاثنين زووج ، هكذا تأخذه العدديون . والزوج أيضاً في كلام العرب النوع كقوله تعالى : { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } وقال تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِى خَلَق الاْزْواجَ كُلَّهَا } انتهى . .
ولما جعل المطر ينزل كأفواه القرب جعلت الوحوش تطلب وسط الأرض هرباً من الماء ، حتى اجتمعن عند السفينة فأمره الله أن يحمل من الزوجين اثنين ، يعني : ذكراً وأنثى ليبقى أصل النسل بعد الطوفان . فروي أنه كان يأتيه أنواع الحيوان فيضع يمينه على الذكر ويساره على الأنثى ، وكانت السفينة ثلاث طبقات : السفلى للوحوش ، والوسطى للطعام والشراب ، والعليا له ولمن آمن . وأهلك معطوف على زوجين إن نوِّن كل ، وعلى اثنين إن أضيف ، واستثنى من أهله من سبق عليه القول بالهلاك وأنه من أهل النار . قال الزمخشري : سبق عليه القول أنه يختار الكفر لا لتقديره عليه وإرادته تعالى غير ذلك انتهى . وهو على طريقة الاعتزال ، والذي سبق عليه القول امرأته واعلة بالعين المهملة ، وابنه كنعان . ومن آمن عطف على وأهلك ، قيل : كانوا ثمانين رجلاً وثمانين امرأة ، وقيل : كانوا ثلاثة وثمانين . وقال ابن عباس : آمن معه ثمانون رجلاً ، وعنه ثمانون إنساناً ، ثلاثة من بنيه سام وحام ويافث ، وثلاث كنائن له ، ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية تدعى اليوم قرية الثمانين بناحية الموصل . وقيل : كانوا ثمانية وسبعين ، نصفهم رجال ، ونصفهم نساء . وقال ابن إسحاق : كانوا عشرة سوى نسائهم : نوح ، وبنوه سام وحام ويافث ، وستة ناس من كان آمن به وأزواجهم جميعاً . وعن ابن إسحاق : كانوا عشرة : خمسة رجال ، وخمس نسوة . وقيل : كانوا تسعة ونوح ، وثمانية أبناء له وزوجته . وقيل : كانوا ثمانية ونوح وزوجته غير التي عوقبت ، وبنوه الثلاثة وزوجاتهم ، وهو قول : قتادة ، والحكم ، وابن عيينة ، وابن جريج ، ومحمد بن كعب . وقال الأعمش : كانوا سبعة : نوح ، وثلاث كنائن ، وثلاث بنين . وهذه أقوال متعارضة ، والذي أخبر الله تعالى به أنه ما آمن معه إلا قليل ، ولا يمكن التنصيص على عدد هذا النفر القليل الذي أبهم الله عددهم إلا بنص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . .
2 ( { وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ يابُنَىَّ ارْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ