@ 196 @ نهي ، ويحتمل أن يكون معطوفاً على أقم ، فيكون في حيز أن على قسميها من كونها مصدرية ، وكونها حرف تفسير . وإذا كان دعاء الأصنام منهياً عنه فأحرى أن ينهي عن عبادتها ، فإن فعلت كنى بالفعل عن الدعاء إيجازاً أي : فإن دعوت ما لا ينفعك ولا يضرك . وجواب الشرط فإنك وخبرها ، وتوسطت إذاً بين اسم إنّ والخبر ، ورتبتها بعد الخبر ، لكنْ روعي في ذلك الفاصلة . قال الحوفي : الفاء جواب الشرط ، وإذا متوسطة لا عمل لها يراد بها في هذا إذا كان ذلك هذا تفسير ، المعنى لا يجيء على معنى الجواب انتهى . وقال الزمخشري : إذا جواب الشرط ، وجواب لجواب مقدر كان سائلاً سأل عن تبعة عبادة الأوثان ، وجعل من الظالمين لأنه لا ظلم أعظم من الشرك ، { إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } انتهى . وكلامه في إذا يحتاج إلى تأمل ، وقد تقدم لنا الكلام فيها مشبعاً في سورة البقرة . ولما وقع النهي عن دعاء الأصنام وهي لا تضر ولا تنفع ، ذكر أن الحول والقوة والنفع والضر ليس ذلك إلا لله ، وأنه تعالى هو المنفرد بذلك ، وأتى في الضر بلفظ المس ، وفي الخير بلفظ الإرادة ، وطابق بين الضر والخير مطابقة معنوية لا لفظية ، لأنّ مقابل الضر النفع ومقابل الخير الشر ، فجاءت لفظة الضر ألطف وأخص من لفظة الشر ، وجاءت لفظة الخير أتم من لفظة النفع ، ولفظة المس أوجز من لفظ الإرادة وأنص على الإصابة وأنسب لقوله : فلا كاشف له إلا هو ، ولفظ الإرادة أدل على الحصول في وقت الخطاب وفي غيره وأنسب للفظ الخير ، وإن كان المس والإرادة معناهما الإصابة . وجاء جواب : وإن يمسسك بنفي عام وإيجاب ، وجاء جواب : وإن يردك بنفي عام ، لأنّ ما أراده لا يرده رادّ لا هو ولا غيره ، لأن إرادته قديمة لا تتغير ، فلذلك لم يجيء التركيب فلا رادّ له إلا هو . والمس من حيث هو فعل صفة فعل يوقعه ويرفعه بخلاف الإرادة ، فإنها صفة ذات ، وجاء فلا رادّ لفضله سمى الخير فضلاً إشعاراً بأنّ الخيور من الله تعالى ، هي صادرة على سبيل الفضل والإحسان والتفضل . ثم اتسع في الإخبار عن الفضل والخير فقال : يصيب به من يشاء من عباده ، ثم أخبر بالصفتين الدالتين على عدم المؤاخذة وهما : الغفور الذي يستر ويصفح عن الذنوب ، والرحيم الذي رحمته سبقت غضبه . ولما تقدم قوله : ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، فأخر الضر ، ناسب أن تكون البداءة بجملة الشرط المتعلقة بالضر . وأيضاً فإنه لما كان الكفار يتوقع منهم الضر للمؤمنين والنفع لا يرجى منهم ، كان تقديم جملة الضر آكد في الإخبار فبدىء بها . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : لم ذكر المس في أحدهما ، والإرادة في الثاني ؟ ( قلت ) : كأنه أراد أن يذكر الأمرين جميعاً : الإرادة ، والإصابة في كل واحد من الضر والخير ، وأنه لا رادّ لما يريد منهما ، ولا مزيل لما يصيب به منهما ، فأوجز الكلام بأنّ ذكر المس وهو الإصابة في أحدهما ، والإرادة في الإنجاز ، ليدل بما ذكر على ما ترك على أنه قد كرر الإصابة في الخير في قوله : يصيب به من يشاء من عباده ، والمراد بالمشيئة المصلحة . .
{ قُلْ ياأَهْلَ * أَيُّهَا النَّاسُ * قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ فَمَنُ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى * لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } الحق : القرآن ، أو الرسول ، أو دين الإسلام ، ثلاثة أقوال والمعنى : فإنما ثواب هدايته حاصل له ، ووبال ضلاله عليه ، والهداية والضلال واقعان بإرادة الله تعالى من العبد ، هذا مذهب أهل السنة . وأن من حكم له في الأزل بالاهتداء فسيقع ذلك ، وإن من حكم له بالضلال فكذلك ولا حيلة في ذلك . وقال القاضي : إنه تعالى بيّن أنه أكمل الشريعة وأزاح العلة وقطع المعذرة فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم