@ 195 @ الَّذِى يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ } ( سقط : وأمرت أن أكون من المؤمنين ، وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ، ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك لإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ، وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يرد بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ) خطاب لأهل مكة يقول : إن كنتم لا تعرفون ما أنا عليه فأنا أبينه لكم ، فبدأ أولاً بالانتفاء من عبادة ما يعبدون من الأصنام تسفيهاً لآرائهم ، وأثبت ثانياً من الذي يعبده وهو الله الذي يتوفاكم . وفي ذكر هذا الوصف الوسط الدال على التوفي . دلالة على البدء وهو الخلق ، وعلى الإعادة ، فكأنه أشار إلى أنه يعبد الله الذي خلقكم ويتوفاكم ويعيدكم ، وكثيراً ما صرح في القرآن بهذه الأطوار الثلاثة ، وكان التصريح بهذا الوصف لما فيه من التذكير بالموت وإرهاب النفوس به ، وصيرورتهم إلى الله بعده ، فهو الجدير بأنْ يخاف ويتقي ويعبد لا الحجارة التي تعبدونها . وأمرت أن أكون من المؤمنين لما ذكر أنه يعبد الله ، وكانت العبادة أغلب ما عليها عمل الجوارح ، أخبر أنه أمر بأن يكون من المصدقين بالله الموحدين له ، المفرد له بالعبادة ، وانتقل من عمل الجوارح إلى نور المعرفة ، وطابق الباطن الظاهر . قال الزمخشري : يعني أن الله تعالى أمرني بما ركب فيّ من العقل ، وبما أوحي إليّ في كتابه . وقيل معناه إن كنتم في شك من ديني ومما أنا عليه ، أأثبت أم أتركه وأوافقكم ، فلا تحدثوا أنفسكم بالمحال ، ولا تشكوا في أمري ، واقطعوا عني أطماعكم ، واعلموا أني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ، ولا أختار الضلالة على الهدى كقوله : { قُلْ ياأَهْلَ * أَيُّهَا * الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } وأمرت أن أكون أصله : بأن أكون ، فحذف الجار وهذا الحذف يحتمل أن يكون من الحذف المطرد الذي هو حذف الحروف الجارة ، مع أنّ وإن يكون من الحذف غير المطرد وهو قوله : أمرتك الخير { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } انتهى يعني بالحذف غير المطرد وهو قوله : أمرتك الخير ، إنه لا يحذف حرف الجر من المفعول الثاني إلا في أفعال محصورة سماعاً لا قياساً وهي : اختار ، واستغفر ، وأمر ، وسمى ، ولبى ، ودعا بمعنى سمى ، وزوّج ، وصدّق ، خلافاً لمن قاس الحذف بحرف الجر من المفعول الثاني ، حيث يعني الحرف ووموضع الحذف نحو : بريت القلم بالسكين ، فيجيز السكين بالنصب . وجواب إن كنتم في شك قوله : فلا أعبد ، والتقدير : فأنا لا أعبد ، لأنّ الفعل المنفي بلا إذا وقع جواباً انجزم ، فإذا دخلت عليه الفاء علم أنه على إضمار المبتدأ . وكذلك لو ارتفع دون لا لقوله . .
ومن عاد فينتقم الله منه أي : فهو ينتقم الله منه . وتضمن قوله : فلا أعبد ، معنى فأنا مخالفكم . وأن أقم يحتمل أنْ تكون معمولة لقوله : وأمرت ، مراعى فيها المعنى . لأن معنى قوله أنْ أكون كن من المؤمنين ، فتكون أن مصدرية صلتها الأمر . وقد أجاز ذلك النحويون ، فلم يلتزموا في صلتها ما التزم في صلات الأسماء الموصولة من كونها لا تكون إلا خبرية بشروطها المذكورة في النحو . ويحتمل أن تكون على إضمار فعل أي : وأوحي إليّ أن أقم ، فاحتمل أن تكون مصدرية ، واحتمل أن تكون حرف تفسير ، لأن الجملة المقدرة فيها معنى القول وإضمار الفعل أولى ، ليزول قلق العطف لوجود الكاف ، إذ لو كان وأنّ أقم عطفاً على أن أكون ، لكان التركيب وجهي بياء المتكلم ومراعاة المعنى فيه ضعف ، وإضمار الفعل أكثر من مراعاة العطف على المعنى . والوجه هنا المنحى ، والمقصد أي : استقم للدين ولا تحد عنه ، وكنى بذلك عن صرف العقل بالكلية إلى طلب الدين . وحنيفاً : حال من الضمير في أقم ، أو من المفعول . وأجاز الزمخشري أن تكون حالاً من الدين ، ولا تدع يحتمل أن يكون استئناف