@ 170 @ فليعنتوا فلا دليل عليه ، وأما تعليقه بقوله : قد جاءتكم ، فينبغي أن يقدر ذلك محذوفاً بعد قل ، ولا يكون متعلقاً بجاءتكم الأولى للفصل بينهما بقل . وقال الحوفي : الباء متعلقة بما دل على المعنى أي : قد جاءتكم الموعظة بفضل الله . وقيل : الفاء الأولى زائدة ، ويكون بذلك بدلاً قبله ، وأشير به إلى الاثنين الفضل والرحمة . وقيل : كررت الفاء الثانية للتوكيد ، فعلى هذا لا تكون الأولى زائدة ، ويكون أصل التركيب فبذلك ليفرحوا ، وفي القول قبله يكون أصل التركيب بذلك فليفرحوا ، ولا تنافي بين الأمر بالفرح هنا وبين النهي عنه في قوله : { قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } لاختلاف المتعلق ، فالمأمور به هنا الفرح بفضل الله وبرحمته ، والمنهى هناك الفرح بجمع الأموال لرئاسة الدنيا وإرادة العلو بها والفساد والأشر ، ولذلك جاء بعده : { وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الاْخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } وقبله : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ } وقوله : { لَفَرِحٌ فَخُورٌ } جاء ذلك على سبيل الذم لفرحه بإذاقة النعماء بعد الضراء ، وبأسه وكفرانه للنعماء إذا نزعت منه ، وهذه صفة مذمومة ، وليس ذلك من أفعال الآخرة . وقول من قال : إذا أطلق الفرح كان مذموماً ، وإذا قيد لم يكن مذموماً كما قال : { فَرِحِينَ بِمَا ءاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ليس بمطرد ، إذ جاء مقيداً في الذم في قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } وإنما يمدح الفرح ويذم بحسب متعلقه ، فإذا كان بنيل ثواب الآخرة وإعمال البر كان محموداً ، وإذا كان بنيل لذات الدنيا وحطامها كان مذموماً . .
وقرأ عثمان بن عفان ، وأبيّ ، وأنس ، والحسن ، وأبو رجاء ، وابن هرمز ، وابن سيرين ، وأبو جعفر المدني ، والسلمي ، وقتادة ، والجحدري ، وهلال بن يساف ، والأعمش ، وعمرو بن قائد ، والعباس بن الفضل الأنصاري : فلتفرحوا بالتاء على الخطاب ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ) . قال صاحب اللوامح : وقال وقد جاء عن يعقوب كذلك ، انتهى . وقال ابن عطية : وقرأ أبي وابن القعقاع ، وابن عامر ، والحسن : على ما زعم هارون . ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ) فلتفرحوا وتجمعون بالتاء فيهما على المخاطبة ، وهي قراءة جماعة من السلف كثيرة ، وعن أكثرهم خلاف انتهى . والجمهور بالياء على أمر الغائب . وما نقله ابن عطية أن ابن عامر قرأ فلتفرحوا بالتاء ليس هو المشهور عنه ، إنما قراءته في مشهور السبعة بالياء أمراً للغائب ، لكنه قرأ تجمعون بالتاء على الخطاب ، وباقي السبعة بالتاء على الخطاب . وفي مصحف أبي : فبذلك فافرحوا ، وهذه هي اللغة الكثيرة الشهيرة في أمر المخاطب . وأما فليفرحوا بالياء فهي لغة قليلة . وفي الحديث : { * لتأخذوا مصافكم } وقرأ أبو التياح والحسن : فليفرحوا بكسر اللام ، ويدل على أنّ ذلك أشير به إلى واحد عود الضمير عليه موحداً في قوله : هو خير مما يجمعون ، فالذي ينبغي أنّ قوله تعالى : بفضل الله وبرحمته ، على أنهما شيء واحد عبر عنه باسمين على سبيل التأكيد ، ولذلك أشير إليه بذلك ، وعاد الضمير عليه مفرداً . وقوله : مما يجمعون يعني من حطام الدنيا ومتاعها . .
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مّن رّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ * اللَّهِ * أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } : مناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنه لما ذكر تعالى : { تُرْجَعُونَ ياأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ } وكان المراد بذلك كتاب الله المشتمل على التحليل والتحريم ، بيّن فساد شرائعهم وأحكامهم من الحلال والحرام من غير مستند في ذلك إلى وحْي . وأرأيتم هنا بمعنى أخبروني . وجوزوا في ما أنزل أن تكون موصولة مفعولاً أولا لأرأيتم ، والعائد عليها محذوف ، والمفعول الثاني قوله : آلله أذن لكم ، والعائد على المبتدأ من الخبر محذوف تقديره : آلله أذن لكم فيه ، وكرر قلْ قبل الخبر على سبيل التوكيد . وأن تكون ما استفهامية منصوبة بأنزل قاله : الحوفي والزمخشري . وقيل : ما استفهامية مبتدأة ، والضمير من الخبر محذوف تقديره : آلله أذن لكم