@ 168 @ غلبت علينا شقوتنا وأما إخفاء الندامة فقيل : أخفى رؤساؤهم الندامة من سفلتهم حياء منهم وخوفاً من توبيخهم ، وهذا فيه بعد ، لأنّ من عاين العذاب هو مشغول بما يقاسيه منه فكيف له فكر في الحياء وفي التوبيخ الوارد من السفلة . وأيضاً وأسروا عائد على كل نفس ظلمت على المعنى ، وهو عام في الرؤساء والسفقلة . وقيل : إخفاء الندامة هو من كونهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحسبوه ولا خطر ببالهم ، ومعاينتهم ما أوهى قواهم فلم يطيقوا عند ذلك بكاء ولا صراخاً . ولا ما يفعله الجازع سوى إسرار الندم والحسرة في القلوب ، كما يعرض لمن يقدم للصلب لا يكاد ينبس بكملة ، ويبقى مبهوتاً جامداً . وأما من قال : إن معنى قوله : وأسروا الندامة ، أخلصوا لله في تلك الندامة ، أو بدت بالندامة أسرة وجوههم أي : تكاسير جباههم ففيه بعد عن سياق الآية . والظاهر أنّ قوله : وقضى بينهم بالقسط ، جملة أخبار مستأنفة ، وليست معطوفة على ما في حيز لما ، وأن الضمير في بينهم عائد على كل نفس ظلمت . وقال الزمشري : بين الظالمين والمظلومين دل على ذلك ذكر الظلم انتهى . وقيل : يعود على المؤمن والكافر . وقيل : على الرؤساء والأتباع . .
{ أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فِى * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ يُحْىِ * وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } : قيل : تعلق هذه الآية بما قبلها من جهة أنه فرض أنّ النفس الظالمة لو كان لها ما في الأرض لافتدت به ، وهي لاشيء لها البتة ، لأنّ جميع الأشياء إنما هي بأسرها ملك لله تعالى ، وهو المتصرف فيها ، إذ له الملك والملك . ويظهر أنّ مناسبتها لما قبلها أنه لما سألوا عما وعدوا به من العذاب أحق هو ؟ وأجيبوا بأنه حق لا محالة ، وكان ذلك جواباً كافياً لمن وفقه الله تعالى للإيمان ، كما كان جواباً للأعرابي حين سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ) : آلله أرسلك ؟ قوله عليه السلام : ( اللهم نعم ) فقنع منه بإخباره صلى الله عليه وسلم ) إذ علم أنه لا يقول إلا الحق والصدق ، كما قال هرقل : لم يكن ليدع الكذب على الناس . ويكذب على الله انتقل من هذا الجواب إلى ذكر البرهان القاطع على حجته . وتقريره بأن القول بالنبوة والمعاد يتفرعان على إثبات الإله القادر الحكيم ، وأنّ ما سواه فهو ملكه وملكته ؟ وعن هذا بهذه الآية ، وكان قد استقصى الدلائل على ذلك في هذه السورة في قوله : { إِنَّ فِى اخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ } الآية وقوله : { هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء } فاكتفى هنا عن ذكرها . وإذا كان جميع ما في العالم ملكه ، وملكه كان قادراً على كل الممكنات ، عالماً بكل المعلومات ، غنياً عن جميع الحاجات ، منزهاً عن النقائص والآفات ، وبكونه قادراً على الممكنات كان قادراً على إنزال العذاب على الكفار في الدنيا والآخرة ، وقادراً على تأييد رسوله بالدلائل وإعلاء دينه ، فبطل الاستهزاء والتعجيز . وبتنزيهه عن النقائص كان منزهاً عن الخلف والكذب ، فثبت أن قوله : إلا أن لله ما في السموات والأرض مقدمة توجب الجزم بصحة قوله . ألا إن وعد الله حق . وألا كلمة تنبيه دخلت على الجملتين تنبيهاً للغافل ، إذ كانوا مشغولين بالنظر إلى الأسباب الظاهرة من نسبة أشياء إلى أنها مملوكة لمن جعل له بعض تصرف فيها واستخلاف ، ولذلك قال تعالى : ولكن أكثرهم لا يعلمون يعني : لغفلتهم عن هذه الدئل ، ثم أتبع ذلك بذكر قدرته على الإحياء والإماتة . فيجب أن يكون قادراً على إحيائه مرة ثانية ، ولذلك قال : وإليه ترجعون ، فترون ما وعد به . وقرأ الحسن بخلاف عنه ، وعيسى ابن عمر : يرجعون بالياء على الغيبة . وقرأ الجمهور : بالتاء على الخطاب . .
{ تُرْجَعُونَ ياأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ } : قيل : نزلت في قريش الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ) أحق ؟ هو فالناس هم كفار قريش . وقال ابن عطية : هو خطاب لجميع العالم . ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر الأدلة على الألوهية والوحدانية والقدرة ، ذكر الدلائل الدالة على صحة النبوة والطريق المؤدّي