@ 155 @ الوقت ، استعير ظرف المكان للزمان أي : في ذلك الوقت . وقرأ الإخوان وزيد بن علي : تتلوا بتاءين أي : تتبع وتطلب ما أسلفت من أعمالها ، قاله السدي . ومنه قول الشاعر : % ( إن المريب يتبع المريبا % .
كما رأيت الذيب يتلو الذيبا .
) % .
قيل : ويصح أن يكون من التلاوة وهي القراءة أي : تقرأ كتبها التي تدفع إليها . وقرأ باقي السبعة : تبلوا بالتاء والبائ أي : تختبر ما أسلفت من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن ، أنافع أم ضار ، أمقبول أم مردود ؟ كما يتعرف الرجل الشيء باختباره . وروي عن عاصم : نبلوا بنون وباء أي : نختبر . وكل نفس بالنصب ، وما أسلفت بدل من كل نفس ، أو منصوب على إسقاط الخافض أي : ما أسلفت . أو يكون نبلوا من البلاء وهو العذاب أي : نصيب كل نفس عاصية بالبلاء بسبب ما أسلفت من العمل المسيء . وعن الحسن تبلو تتسم . وعن الكلبي : تعلم . وقيل : تذوف . وقرأ يحيى بن وثاب : وردوا بكسر الراء ، لما سكن للإدغام نقل حركة الدال إلى حركة الراء بعد حذف حركتها . ومعنى إلى الله إلى عقابه . وقيل : إلى موضع جزائه مولاهم الحق ، لا ما زعموه من أصنامهم ، إذ هو المتولي حسابهم . فهو مولاهم في الملك والإحاطة ، لا في النصر والرحمة . وقرىء الحق بالنصب على المدح نحو : الحمد لله أهل الحمد . وقال الزمخشري : كقولك هذا عبد الله الحق لا الباطل ، على تأكيد قوله : ردوا إلى الله انتهى . وقال أبو عبد الله الرازي : وردوا إلى الله ، جعلوا ملجين إلى الإقرار بالإلهية بعد أن كانوا في الدنيا يعبدون غير الله ، ولذلك قال : مولاهم الحق . وضل عنهم أي : بطل وذهب ما كانوا يفترونه من الكذب ، أو من دعواهم أنّ أصنامهم شركاء لله سافعون لهم عنده . .
{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السَّمَاء وَالاْرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والاْبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَىّ } : لما بين فضائح عبدة الأوثان ، أتبعها بذكر الدلائل على فساد مذهبهم بما يوبخهم ، ويحجهم بما لا يمكن إلا الاعتراف به من حال رزقهم وحواسهم ، وإظهار القدرة الباهرة في الموت والحياة . فبدأ بما فيه قوام حياتهم وهو الرزق الذي لا بد منه ، فمن السماء بالمطر ، ومن الأرض بالنبات . فمن لابتداء الغاية وهيىء الرزق بالعالم العلوي والعالم السفلي معالم يقتصر على جهة واحدة ، تعالى توسعة منه وإحساناً . ومن ذهب إلى أنّ التقدير من أهل السماء والأرض فتكون من للتبعيض أو للبيان . ثم ذكر ملكه لهاتين الحاستين الشريفتين : السمع الذي هو سبب مدارك الأشياء ، والبصر الذي يرى ملكوت السموات والأرض . ومعنى ملكهما أنه متصرف فيهما بما يشاء تعالى من إبقاء وحفظ وإذهاب . وقال الزمخشري : من يملك السمع والأبصار من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه من الفطرة العجيبة ، أو من يحميهما ويعصمهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال ، وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلاءته وحفظه انتهى . ولا يظهر هذان الوجهان اللذان ذكرهما من لفظ أم من يملك السمع والأبصار . وعن عليّ كرم الله وجهه : سبحان من بصر بشحم ، وأسمع بعظم ، وأنطق بلحم . وأم هنا تقتضي تتدير بل دون همزة الاستفهام لقوله تعالى : { أَمْ * مَاذَا * كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فلا تتقدّر ببل ، فالهمزة لأنها دخلت على اسم الاستفهام ، وليس إضراب إبطال به هو لانتقال من شيء إلى شيء . ونبه تعالى بالسمع والبصر على الحواس لأنهما أشرفها ، ولما ذكر تعالى سبب إدامة الحياة وسبب انتفاع الحي بالحواس ، ذكر إنشاءه تعالى واختراعه للحي من الميت ، والميت من الحي ، وذلك من باهر قدرته ، وهو إخراج الضد من ضده . وتقدم تفسير ذلك ومن يدبر الأمر شامل لما تقدم من الأشياء الأربعة المذكورة ولغيرها ، والأمور التي يدبرها