@ 150 @ وجزاء مبتدأ فقيل : خبره مثبت وهو بمثلها . واختلفوا في الباء فقيل : زائدة قاله ابن كيسان أي جزاء سيئة مثلها ، كما قال : وجزاء سيئة سيئة مثلها ، كما زيدت في الخبر في قوله : .
فمنعكها بشييء يستطاع .
أي شيء يستطاع . وقيل : ليست بزائدة ، والتقدير : مقدر بمثلها أو مستقر بمثلها . وقيل : محذوف ، فقدّره الحوفي : لهم جزاء سيئة قال : ودل على تقدير لهم قوله : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى } حتى تشاكل هذه بهذه . وقدره أبو البقاء جزاء سيئة بمثلها واقع ، والباء في قولهما متعلقة بقوله : جزاء ، والعائد من هذه الجملة الواقعة خبراً عن الذين محذوف تقديره : جزاء سيئة منهم ، كما حذف في قولهم : السمن منوان بدرهم ، أي منوان منه بدرهم . وعلى تقدير الحوفي : لهم جزاء يكون الرابط لهم . الثاني : أنّ الخبر قوله : ما لهم من الله من عاصم ، ويكون قد فصل بين المبتدأ والخبر بجملتين على سبيل الاعتراض ، ولا يجوز ذلك عند أبي علي الفارسي ، والصحيح جوازه . الثالث : أن يكون الخبر كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً . الرابع : أن يكون الخبر أولئ وما بعده ، فيكون في هذا القول فصل بين المبتدأ والخبر بأربع جمل معترضة ، وفي القول الثالث بثلاث جمل ، والصحيح منع الاعتراض بثلاث الجمل وبأربع الجمل ، وأجاز ابن عطية أن يكون الذين في موضع جر عطفاً على قوله : للذين أحسنوا ، ويكون جزاء مبتدأ خبره قوله : والذين على إسقاط حرف الجر أي : وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ، فيتعادل التقسيم ، كما تقول : في الدار زيد ، والقصر عمرٌ ، وأي : وفي القصر عمرو . وهذا التركيب مسموع من لسان العرب ، فخرجه الأخفش على أنه من العطف على عاملين . وخرجه الجمهور على أنه مما حذف منه حرف الجر ، وجره بذلك الحرف المحذوف لا بالعطف على المجرور ، وهي مسألة خلاف وتفصيل يتكلم فيها في علم النحو . .
والظاهر أنّ السيئات هنا هي سيئات الكفر ، ويدل عليه ذكر أوصافهم بعد . وقيل : السيئات المعاصي ، فيندرج فيها الكفر وغيره . ولهذا قال ابن عطية : وتعم السيئات هاهنا الكفر والمعاصي ، فمثل سيئة الكفر التخليد في النار ، ومثل سيئات المعاصي مصروف إلى مشيئة الله تعالى ، ومعنى بمثلها أي : لا يزاد عليها . قال الزمخشري : وفي هذا دليل على أنّ المراد بالزيادة الفضل ، لأنه دل بترك الزيادة على السيئة على عدله ، ودل بإثبات الزيادة على المثوبة على فضله انتهى . وقيل : معنى بمثلها أي : بما يليق بها من العقوبات ، فالعقوبات تترتب على قدر السيئات ، ولهذا كانت جهنم دركات ، وكان المنافقون في الدرك الأسفل لقبح معصيتهم . وقرىء : ويرهقهم بالياً ، لأنّ تأنيث الذلة مجاز ، وفي وصف المنافقين نفي القتر والذلة عن وجوههم ، وهنا غشيتهم الذلة ، وبولغ فيما يقابل القتر فقيل : كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً ، وهذه مبالغة في سواد الوجوه . وقد جاء مصرحاً في قوله : { وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } من الله أي من سخطه وعذابه ، أو من جهته تعالى ، ومن عنده من يعصمهم كما يكون للمؤمنين وأغشيت : كسبت ، ومنه الغشاء . وكون وجوههم مسودة هي حقيقة لا مجاز ، فتكون ألوانهم مسودة . قال أبو عبد الله الرازي : واعلم أن حكماء الإسلام قالوا : المراد من هذا السواد ههنا سواد الجهل وظلمة الضلال ، فإن الجهل طبعه طبع الظلمة . فقوله : وجوه يومئذ سفرة ضاحكة مستبشرة ،