@ 139 @ يأت عن ما أشركوا للدلالة على استمرار حالهم ، كما جاءوا يعبدون وأنهم على الشرك في المستقبل ، كما كانوا عليه في الماضي . .
{ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ * لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ * فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } : لما ذكر تعالى الدلالة على فساد عبادة الأصنام ، ذكر الحامل على ذلك وهو الاختلاف الحادث بين الناس ، والظاهر عموم الناس . ويتصور في آدم وبينه إلى أنْ وقع الاختلاف بعد قتل أحد ابنيه الآخر ، وقاله : أبي بن كعب . وقال الضحاك : المراد أصحاب سفينة نوح ، اتفقوا على الحنيفية ودين الإسلام . وعن ابن عباس : من كان من ولد آدم إلى زمان إبراهيم ورد بأنه عبد في زمان نوح عليه السلام الأصنام كود ، وسواغ . وحكى ابن القشيري أنّ الناس قوم إبراهيم إلى أنْ غيّر الدين عمرو بن لحي . وقال ابن زيد : هم الذين أخذ عليهم الميثاق يوم : { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ } لم يكونوا أمة واحدة غير ذلك اليوم . وقال الأصم : هم الأطفال المولودون كانوا على الفطرة فاختلفوا بعد البلوغ ، وأبعد من ذهب إلى أنّ المراد بالناس هنا آدم وحده ، وهو مروي عن : مجاهد ، والسدّي ، وعبر عنه بالأمة لأنه جامع لأنواع الخير . وهذه الأقوال هي على أنّ المراد بأمة واحدة في الإسلام والإيمان . وقيل : في الشرك . وأريد قوم إبراهيم كانوا مجتمعين على الكفر ، فآمن بعضهم ، واستمر بعضهم على الكفر . أو من كان قبل البعث من العرب وأهل الكتاب كانوا على الكفر والتبديل والتحريف ، حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فآمن بعضهم ، أو العرب خاصة ، أقوال ثالثها للزجاج . والظاهر أنّ المراد بقوله : أمة واحدة في الإسلام ، لأنّ هذا الكلام جاء عقيب إبطال عبادة الأصنام ، فلا يناسب أنْ يقوي عباد الأصنام . فإنّ الناس كانوا على ملة الكفر ، إنما المناسب أن يقال : إنهم كانوا على الإسلام حتى تحصل النفرة من اتباع غير ما كان الناس عليه . وأيضاً فقوله : ولولا كلمة ، هو وعيد ، فصرفه إلى أقرب مذكور وهو الاختلاف ، هو الوجه والاختلاف بسبب الكفر ، هو المقتضي للوعيد ، لا الاختلاف الذي هو بسبب الإيمان ، إذ لا يصلح أن يكون سبباً للوعيد ، وقد تقدم الكلام على نحو هذا في البقرة في قوله : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً } ولكنْ أعدنا الكلام فيه لبعده . .
والكلمة هنا هو القضاء ، والتقدير : لبني آدم بالآجال المؤقتة . قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد الكلمة في أمر القيامة ، وأنّ العقاب والثواب إنما يكون حينئذ . وقال الزمخشري : هو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة يقضي بينهم عاجلاً فيما اختلفوا فيه ، وتمييز المحق من المبطل . وسبقت كلمة الله بالتأخير لحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار دار تكليف ، وتلك دار ثواب وعقاب . وقال الكلبي : الكلمة أنّ الله أخبر هذه الأمة لا يهلكهم بالعذاب في الدنيا إلى يوم القيامة ، فلولا هذا التأخير لقضى بينهم بنزول العذاب ، أو بإقامة الساعة . وقيل : الكلمة السابقة أنْ لا يأخذ أحداً إلا بحجة وهو إرسال الرسل . وقيل : الكلمة قوله : { سَبَقَتْ * رَّحْمَتِى * غَضَبِى } ولولا ذلك ما أخر العصاة إلى التوبة . .
{ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للَّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنّى مَعَكُمْ مّنَ الْمُنتَظِرِينَ } : هذا من اقتراحهم . قال الزمخشري : وكانوا لا يعتدون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم تنزل على أحد من الأنبياء مثلها ، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر بديعة غريبة في الآيات ، دقيقة المسلك من بين المعجزات . وجعلوا نزولها كلا نزول ، فكأنه لم ينزل عليه قط حتى قالوا : لولا أنزل عليه آية واحدة من ربه ، وذلك لفرط عنادهم وتماديهم في التمرد وإنهماكهم في الغي فقل : إنما الغيب لله أي : هو المختص بعلم الغيب المستأثر به ، لا علم لي ولا لا حد به . يعني : أنّ الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو سبحانه ، فانتظروا نزول ما اقترحتموه إني معكم من المنتظرين بما يفعل الله تعالى بكم لعنادكم وجحدكم الآيات . وقال ابن عطية : آية من ربه ، آية تضطر الناس إلى الإيمان ، وهذا النوع من الآيات لم يأت بها نبي قط ، ولا من المعجزات اضطرارية ، وإنما هي معرضة النظر ليهتدي قوم ويضل آخرون ، فقل : إنما الغيب لله إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل ، لا يطلع على غيبه في ذلك أحد . وقوله : فانتظروا ، ووعيد وقد صدقه الله تعالى بنصرته محمداً صلى الله عليه وسلم ) . وقيل : الآية التي اقترحوا أن ينزل ما تضمنه قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا * الاْيَةَ } وقيل : آية كآية موسى وعيسى كالعصا واليد البيضاء ، وإحياء الموتى ، طلبوا ذلك على سبيل