@ 128 @ ديدن الكفرة مع أنبيائهم إذ أتوهم بالمعجزات كما قال : فرعون وقومه في موسى عليه السلام : { إِنَّ هَاذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } { قَالُواْ } وقوم عيسى عليه السلام : { كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَاذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ودعوى السحر إنما هي على سبيل العناد والجحد . .
{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } تقدم تفسير مثل هذه الجملة في سورة الأعراف وجاءتا عقب ذكر القرآن والتنبيه على المعاد . ففي الأعراف : { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ } وقوله : { يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ } وهنا تلك آيات الكتاب . وذكر الإنذار والتبشير وثمرتهما لا تظهر إلا في المعاد . ومناسبة هذه لما قبلها أنّ من كان قادراً على إيجاد هذا الخلق العلوي والسفلي العظيمين وهو ربكم الناظر ف مصالحكم ، فلا يتعجب أن يبعث إلى خلقه من يحذر من مخالفته ويبشر على طاعته ، إذ ليس خلقهم عبثاً بل على ما اقتضته حكمته وسبقت به إرادته ، هذ القادر العظيم قادر على ما دونه بطريق الأولى . .
{ يُدَبّرُ الاْمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } : قال مجاهد : أي يقضيه وحده . والتدبير تنزيل الأمور في مراتبها والنظر في أدبارها وعواقبها ، والأمر قيل : الخلق كله علويه وسفليه . وقيل : يبعث بالأمر ملائكة ، فجبريل للوحي ، وميكائيل للقطر ، وعزرائيل للقبض ، وإسرافيل للصور . وهذه الجملة بيان لعظيم شأنه وملكه . ولما ذكر الإيجاد ذكر ما يكون فيه من الأمور ، وأنه لمنفرد به إيجاداً وتدبيراً لا يشركه أحد في ذلك ، وأنه لا يجترىء أحد على الشفاعة عنده إلا بإذنه ، إذ هو تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب . وفي هذه دليل على عظم عزته وكبريائه كما قال : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً } الآية . ولما كان الخطاب عاماً وكان الكفار يقولون عن أصنامهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، ردّ ذلك تعالى عليهم ، وناسب ذكر الشفاعة التي تكون في القيامة بعد ذكر المبدأ ليجمع بين الطرفين : الابتداء والانتهاء . وقال أبو مسلم الأصبهاني : الشفيع هنا من الشفع الذي يخالف الوتر ، فمعنى الآية : أنه أوجد العالم وحده لا شريك يعينه ، ولم يحدث شيء في الوجود إلا من بعد أن قال له : كن . وقال أبو البقاء : يدبر الأمر ، يجوز أن يكون مستأنفاً وخبراً ثانياً وحالاً . .
{ ذالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } : أي المتصف بالإيجاد والتدبير والكبرياء هو ربكم الناظر في مصالحكم ، فهو المستحق للعبادة ، إذ لا يصلح لأن يعبد إلا هو تعالى ، فلا تشركوا به بعض خلقه . .
{ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } : حض على التدبير والتفكر في الدلائل الدالة على ربوبيته وإمحاض العبادة له . .
{ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ } : ذكر ما يقتضي التذكير وهو كون مرجع الجميع إليه ، وأكد هذا الإخبار بأنه وعد الله الذي لا شك في صدقه ثم استأنف الإخبار وفيه معنى التعليل بابتداء الخلق وإعادته وأن مقتضى الحكمة بذلك هو جزاء المكلفين على أعمالهم . وانتصب وعد الله وحقاً على أنهما مصدران مؤكدان لمضمون الجملة والتقدير : وعد الله وعداً ، فلما حذف الناصب أضاف المصدر إلى الفاعل وذلك كقوله : { صِبْغَةَ اللَّهِ } { عَبْدُ اللَّهِ } والتقدير : في حقاً حق ذلك حقاً . وقيل : انتصب حقاً بوعد على تقدير في أي وعد الله في حق . وقال علي بن سليمان التقدير : وقت حق وأنشد : % ( أحقاً عباد الله أن لست خارجا % .
ولا والجاً إلا عليّ رقيب .
) %