@ 94 @ مصرح من الله ولا من رسوله ، بل كان لكل واحد منهم ميدان المقالة مبسوطاً . وقوله : رجس أي نتن وقذر . وناهيك بهذا الوصف محطة دنيوية ، ثم عطف لمحطة الآخرة . ومن حديث كعب بن مالك : أنهم جاءوا يعتذرون ويحلفون لما قدم المدينة ، وكانوا بضعة وثمانين ، فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله . .
{ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } : قال مقاتل : نزلت في عبد الله بن أبي حلف بالله الذي لا إله إلا هو لا يتخلف عنه بعدها ، وحلف بن أبي سرح لنكونن معه على عدوه ، وطلب من الرسول أن يرضى عنه ، فنزلت ، وهنا حذف المحلوف به ، وفي قوله : { سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ } أثبت كقوله : { إِذَا * أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا } وقوله : { وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ } فلا فرق بين حذفه وإثباته في انعقاد ذلك يميناً . وغرضهم في الحلف رضا الرسول والمؤمنين لنفعهم في دنياهم ، لا أنّ مقصدهم وجه الله تعالى . والمراد : هي أيمان كاذبة ، وأعذار مختلقة لا حقيقة لها . وفي الآية قبلها لما ذكر حلفهم لأجل الإعراض ، جاء الأمر بالإعراض نصاً ، لأنّ الإعراض من الأمور التي تظهر للناس ، وهنا ذكر الحلف لأجل الرضا فأبرز النهي عن الرضا في صورة شرطية ، لأن الرضا من الأمور القلبية التي تخفى ، وخرج مخرج المتردّد فيه ، وجعل جوابه انتفاء رضا الله عنهم ، فصار رضا المؤمنين عنهم أبعد شيء في الوقوع ، لأنه معلوم منهم أنهم لا يرضون عمن لا يرضى الله عنهم . ونص على الوصف الموجب لانتفاء الرضا وهو الفسق ، وجاء اللفظ عامًّا ، فيحتمل أن يراد به لخصوص كأنه قيل : فإنّ الله لا يرضى عنهم ، ويحتمل بقاؤه على العموم فيندرجون فيه ويكونون أولى بالدخول ، إذ العام إذا نزل على سبب مخصوص لا يمكن إخراج ذلك السبب من العموم بتخصيص ولا غيره . .
{ الاْعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ * أَن لا * يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } : نزلت في أعراب من أسد ، وتميم ، وغطفان . ومن أعراب حاضري المدينة أي : أشد كفراً من أهل الحضر . وإذا كان الكفر متعلقاً بالقلب فقط ، فالتقدير أشد أسباب كفر ، وإذا دخلت فيه أعمال الجوارح تحققت فيه الشدة . وكانوا أشد كفراً ونفاقاً لتوحشهم واستيلاء الهواء الحار عليهم ، فيزيد في تيههم ونخوتهم وفخرهم وطيشهم وتربيتهم بلا سائس ولا مؤدب ولا ضابط ، فنشأوا كما شاؤا لبعدهم عن مشاهدة العلماء ومعرفة كتاب الله وسنة رسول الله ، ولبعدهم عن مهبط الوحي . كانوا أطلق لساناً بالكفر والنفاق من منافقي المدينة ، إذ كان هؤلاء يستولي عليهم الخوف من المؤمنين ، فكان كفرهم سراً ولا يتظاهرون به إلا تعريضاً . وأجدر أي : أحق أنْ لا يعلموا أي بأن لا يعلموا . والحدود : هنا الفرائض . وقيل : الوعيد عل مخالفة لرسول ، والتأخر عن الجهاد . وقيل : مقادير التكاليف والأحكام . وقال قتادة : أقل علماً بالسنن . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( إن الجفاء والقسوة في الفدادين ) والله عليم يعلم كل أحد من أهل الوبر والمدر ، حكيم فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم من ثواب وعقاب . .
{ وَمِنَ الاْعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } : نزلت في أعراب أسد ، وغطفان ، وتميم ، كانوا يتخذون ما يؤخذ منهم من الصدقات . وقيل : من الزكاة ، ولذلك قال بعضهم : ما هي إلا جزية أو قريبة من الجزية . وقيل : كل نفقة لا تهواها أنفسهم وهي مطلوبة شرعاً ، وهو ما ينفقه الرجل وليس يلزمه ، لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياء ، لا لوجه الله تعالى وابتغاء المثوبة عنده . فعل هذا المغرم إلزام ما لا يلزم . وقيل : المغرم الغرم والخسر ، وهو قول : ابن قتيبة ، وقريب من الذي قبله . وقال ابن فارس : المغرم ما لزم أصحابه والغرام اللازم ، ومنه الغريم للزومه وإلحاحه . والتربص : الانتظار . والدوائر : هي المصائب التي لا مخلص منها ، تحيط به كما تحيط الدائرة . وقيل : تربص الدوائر هنا موت الرسول صلى الله عليه وسلم ) وظهور الشرك . وقال الشاعر :