@ 93 @ لأنّ على تدل على الاستعلاء وقلة منعة من دخلت عليه ، ففرق بين لا سبيل لي على زيد ، ولا سبيل لي إل زيد . وهذه الآية في المنافقين المتقدم ذكرهم : عبد الله بن أبي ، والجد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، وغيرهم . ورضوا : استئناف كأنه قيل : ما بالهم استأذنوا في القعود بالمدينة وهم قادرون على الجهاد ، فقيل : رضوا بالدناءة وانتظامهم في سلك الخوالف . وعطف وطبع تنبيهاً على أنّ السبب في تخلفهم رضاهم بالدناءة ، وطبع على قلوبهم فهم لا يعلمون ما يترتب على الجهاد من منافع الدين والدنيا . .
.
) % .
{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ } : لن نؤمن لكم علة للنهي عن الاعتذار ، لأنّ عرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به ، فإذا علم أنه مكذب في اعتذاره كفَّ عنه . قد نبأنا الله من أخباركم علة لانتفاء التصديق ، لأنه تعالى إذا أخبر الرسول والمؤمنين بما انطوت عليه سرائرهم من الشر والفساد ، لم يمكن تصديقهم في معاذيرهم . قال ابن عطية : والإشارة بقوله : قد نبأ الله من أخباركم إلى قوله : ما زادوكم إلا خبالاً ولا وضعوا خلالكم ، ونحو هذا . ونبأ هنا تعدّت إلى مفعولين كعرف ، نحو قوله : من أنبأك هذا ؟ والثاني هو من أخباركم أي : جملة من أخباركم ، وعلى رأى أبي الحسن الأخفش تكون من زائدة أي أخباركم . وقيل : نبأ بمعنى أعلم المتعدية إلى ثلاثة ، والثالث محذوف اختصاراً لدلالة الكلام عليه أي : من أخباركم كذباً أو نحوه . وسيرى الله توعد أي : سيراه في حال وجوده ، فيقع الجزاء منه عليه إنْ خيراً فخير وإن شراً فشر . وقال الزمخشري : وسيرى الله عملكم أتنيبون أم تثبتون على الكفر ، ثم تردون إشارة إلى البعث من القبور والتنبؤ بأعمالهم عبارة عن جزائهم عليها . قال ابن عيسى : وسيرى لجعله من الظهور بمنزلة ما يرى ، ثم يجازى عليه . وقيل : كانوا يظهرون للرسول عند تقريرهم معاذيرهم حباً وشفقة فقيل : وسيرى الله عملكم هل يبقون على ذلك أو لا يبقون ؟ والغيب والشهادة هما جامعان لأعمال العبد لا يخلو منهما . وفي ذلك دلالة على أنه مطلع على ضمائرهم كاطلاعه على ظواهرهم ، لا تفاوت عنده في ذلك . .
{ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } : لما ذكر أنهم يصدر منهم الاعتذار أخبر أنهم سيؤكدون ذلك الاعتذار الكاذب بالحلف ، وأنّ سبب الحلف هو طلبتهم أنْ يعرضوا عنهم فلا يلوموهم ولا يوبخوهم ، فاعرضوا عنهم أي : فأجيبو إلى طلبتهم . وعلل الإعراض عنهم بأنهم رجس ، أي مستقذرون بما انطووا عليه من النفاق ، فتجب مباعدتهم واجتنابهم كما قال : { رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ } فمن كان رجساً لاة تنفع فيه المعاتبة ، ولا يمكن تطهير الرجس . ويحتمل أن يكون سبب الحلف مخافتهم أنْ يعرضوا عنهم فلا يقبلوا عليهم ولا يوادوهم ، فأمر تعالى بالإعراض عنهم وعدم توليهم ، وبيَّن العلة في ذلك برجسيتهم ، وبأنّ مآل أمرهم إلى النار . قال ابن عباس : فاعرضوا عنهم لا تكلموهم . وفي الخبر أنه عليه السلام لما قدم من تبوك قال : لا تجالسوهم ولا تكلموهم . .
قيل : إنّ هذه الآية من أول ما نزل في شأن المنافقين في غزوة تبوك ، وكان قد اعتذر بعض المنافقين واستأذنوه في القعود قبل مسيره ، فأذن فخرجوا وقال أحدهم : ما هو إلا شحمة لأول آكل ، فلما خرج الرسول نزل فيهم القرآن ، فانصرف رجل من القوم فقال للمنافقين في مجلس منهم : نزل فيكم قرآن فقالوا له : وما ذلك ؟ قال : لا أحفظ ، إلا إني سمعت وصفكم فيه بالرجس ، فقال لهم مخشي : لوددت أنْ أجلد مائة ولا أكون معكم ، فخرج حتى لحق بالرسول صلى الله عليه وسلم ) فقال له : ( ما جاء بك ) ؟ فقال له : وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) تسفعه الريح ، وأنا في لكن . فروي أنه ممن تاب . قال ابن عطية : فاعرضوا عنهم أمر بانتهارهم وعقوبتهم بالإعراض والوصم بالنفاق ، وهذا مع إجمال لا مع تعيين